حقوق
اغتصبتها حريَّة مزعومة (1)
بقلم: أ. غفران
محمد خير بولاد
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
إنَّ الحرية حقٌ ومطلب
شرعي يسعى لتحقيقه كل فرد منّا سواء كان رجلاً أو امرأة إلا أنَّنا نجد أصوات
المطالبة بحرية المرأة وحقوقها قد ارتفعت واحتدّت نبرتها حتى صدّعت رؤوس أفراد
المجتمع وأشغلت عقولهم، مع العلم أنَّ الشرع الإسلاميّ الذي ينظِم حياة المجتمع
يقرُّ بحريتها وحقوقها وينصُّ على إعطائها إياها دون إفراط أو تفريط، لكنَّ الواقع
الذي نعيشه في هذا العصر لا يعكس صورة عملية عن هذا الشرع الذي ندين به، مما أوجب
العودة إلى أسباب هذه المفارقة والتأمّل فيها، ونخن في هذه السطور سنتناول الحديث
عن نتيجة من نتائج الانجرار وراء هذه المطالب على مجتمعنا الإسلامي بشكل مجمل
مختصر ينقل للقارئ حقيقة الصورة، ويمنع عنه الانخداع بهذه المطالب والادِّعاءات،
أو الانجرار ورائها. إنَّ نشأة هذه الأصوات وأسبابها لا تخفى على أيِّ مسلم عاقل
يعيش في دائرة الأحداث ويقرأ ويتابع ما جرى ويجري حوله في العالم. مع العلم إنَّ
الاستجابة لهذه الصيحات والانجرار وراء هذه المطالب والدِّعاءات يوقع المرأة في
مزالق عديدة؛ إذ يُضيّع عليها العديد من حقوقها، ويجعلها تفرِّط بالعديد من
واجباتها دون أن تعي وهي في غمرة المطالبة بهذه الحقوق حقيقة ما زُجَّت به. فمثلاً
مطالبة المرأة بالمساواة التامَّة مع الرجل أفقدتها حقَّها في إقامة العدل بينها
وبينه، لأنَّها تجهل قانون الإسلام الذي يقرُّ لها بالمساواة معه في الجزاء
والعطاء، وينصفها وإياه عدلاً في المهام والأدوار، فهو بذلك يختلف عن القوانين
الأرضية الوضعية اختلافاً تامّاً، لأنّه يراعي التوازن بين الحاجات والقدرات
والأدوار لكلٍّ منهما، ويضبطها. يقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب} [غافر:40]
ففي الآية الكريمة السابقة إقرار بالمساواة بين المرأة والرجل يشمل كل عمل يقوم به
أيٌّ منهما سواء كان خيراً يستوجب الأجر أو سوءاً يستوجب الإثم، لأنّ الأجر والإثم
والعطاء والحرمان في قوانين الإسلام ضابطها كلَّها مستوى الإيمان عند المرء دون
النظر إلى جنسه، بخلاف قوانين الأرض التي كانت تقرُّ للمرأة بنصف الأجر في حالات،
وذاته في حالات أخرى، وغير ذلك من المفارقة والتميز القائم بينهما على أساس الجنس،
أمَّا العدل بينهما فقد فرضه الله سبحانه وتعالى بين المرأة والرجل فيما يتعلَّق
بالمسؤوليات المفروضة والأدوار المتناسبة مع أصل الخلقة التي أوجد كلاً منهما
سبحانه عليها، وقوله جلّ جلاله: {الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] خير دليل وبيان
على العدل الإلهي بين المرأة والرجل، حيث يجعل المسؤوليات منسجمة مع القدرات
الجسدية والنفسية، فالله سبحانه وتعالى متَّع الرجل بقوة بدنية تفوق قوة المرأة
بكثير وقدرة على التواصل الحركي والتفاعل مع الرجال -أسباب كسب المال- دون حرج،
وزرع به عاطفة الأبوَّة وحبَّ الأبناء، يقول تعالى: {وَعلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]،
فجعل سبحانه الرجل مسؤولاً عن الإنفاق التامّ، ومأموراً بالسعي والكسب لتأمين
كافَّة مستلزمات الأسرة، ومشاركاً في رعاية وتربية الأولاد وتوجيههم، ومطَّلعاً
على مراحل نموهم وتطوُّر شخصيَّاتهم، يقول تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]
ولا تتحقق الوقاية التي أمر الله بها الرجل إلا بأمرين: الأول أن يتحرَّى الحلال
فيما يطعم أهل بيته وينفقه عليهم، والثاني: أن يوجَّههم ويرشدهم إلى أسباب النجاة
والفلاح في الدنيا والآخرة، يقول ﷺ: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ....
والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ...) والرعاية لا تقتصر على تأمين
الحاجات المادية فقط إنما تشمل الحاجات النفسية والوجدانية، خاصة مع الإناث اللائي
يرون في الأب الأمان والسند والحماية والقوة التي تسعفهنَّ عند الشعور بالضعف أو
التعرّض للظلم، وكذلك الذكور الذين يرون الحوار مع والدهم ومشاركته لهم الأفكار
والهموم موجِّهاً لبوصلة مسيرتهم في الحياة ونموذجاً عملياً يحاكي مستقبلهم الذي
يحلمون به. ومما يؤكِّد مسؤولية الآباء في تربية وتوجيه الأبناء وأثر ذلك في
صلاحهم، قوله تبارك وتعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا
صَالِحًا} [الكهف:82].
أمّا المرأة فقد متّعها
الله تبارك وتعالى بغلبة العاطفة المرهفة ورقّة الأحاسيس، والقدرة على التواصل
الكلامي والإنصات أكثر من الرجل بكثير، مما جعلها مخزناً للقوَّة النفسية الكامنة
في ذاتها، والدافعة والموجِّهة لغيرها، إلا أنّ قوّتها البدنية أقل من قوّة الرجل،
وقدرتها على التواصل مع الرجال على اختلاف أطباعهم وأطوارهم قد يوقعها في الحرج
أحياناً، وربما يسبب لها أذىً أحياناً أخرى. فجعل سبحانه وتعالى المرأة نبعاً يفيض
على الأبناء بالحنان والعطف والرعاية التي لا يمكن للتربية أن تثمر بدونها، وفي
ذلك يوجه ﷺ الخاطب للمرأة فيقول: (... والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن
رعيتها) مما يؤكِّد على دور المرأة في تربية وتهذيب الأولاد ورعايتهم. كما يقول
تبارك وتعالى مخاطباً النساء: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] فهل
المقصود بالقرار في هذه الآية البقاء؟ أم هو إقصاء المرأة عن العالم، ومنعها من
الخروج من المنزل؟ أم ماذا؟ ولماذا جاءت الآية بلفظ القرار، ولم تأتِ بلفظ المكوث
أو البقاء مثلاً؟؟ وما علاقة المقصود بالقرار بدور المرأة الرئيس في هذه الحياة؟
تظهر لنا الإجابات عن هذه الأسئلة عندما نستحضر المهمة التي أوكلها الله تبارك
وتعالى إلى المرأة، مهمَّة بناء الإنسان وتربية الأجيال التي تحتاج إلى متابعة
الأولاد وملازمتهم في كل خطواتهم، والتي تستوجب تقديم التوجيه والرعاية والاهتمام
المستمر لهم، وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق دون أن تكون المرأة مستقرَّة في مكان
إقامتها تألَف كلّ ما به من تفاصيل، وتسكن به نفسها ليعينها على أداء مهمَّتها،
وإتقان دورها، ويدلُّ على ذلك حالة الاضطراب التي يمرُّ بها الإنسان عند تنقُّله
من مكان إلى مكان آخر، وانعكاس ذلك على علاقة المرء بذذاته وبأبنائه. من هنا نرى
أنَّ الآية الكريمة استخدمت لفظ {وَقَرْنَ} لأنّ القرار يشمل القرار في المكان
والقرار في النفس الذي يفضي إلى الاستقرار والتوازن الذي يسهم في تأدية المرأة
لدورها الرئيس، ويترك لها مجال الخروج من البيت لقضاء حوائجها مفتوحاً ضمن دائرة
الشرع وضوابطه.
بعد عرض هذا الجانب اليسير
من مظاهر عدل الله تبارك وتعالى بين المرأة والرجل نعود إلى أصل موضوعنا ونطرح
السؤال التالي: ماذا حصدت المرأة من ثمار مطالبتها بالمساواة التامة مع الرجل؟؟؟
هل تحققت المساواة المطلوبة؟
وهل يمكنها أن تقوم بمهام
الرجل إلى جانب مهامها؟ في الحقيقة أنَّ المطالبة بالمساواة التامّة كلَّف المرأة
غبئاً إضافياً، وحمَّلها أكثر مما تطيق، بالإضافة إلى أنَّ المطالبة بالمساواة
حرمت المرأة من أن تنعم بالعدل، فلماذا تطالب بالمساواة المرأة المسلمة التي ضمن
لها الشرع حقوقها ومنحها مساحة من الراحة والاستقرار؟؟ لأنَّ الرجال لا يطبِّقون
الشرع؟؟؟
إذا كان الرجال لا يلتزمون
بأمر الله واتباع الشرع فهل الخروج عن الشرع والمطالبة بما يثقل كاهل المرأة ويعيق
أداءها لدورها الرئيس هو ما سيعيد لها ما حُرمت منه؟؟ لماذا هذا التضليل؟؟
ألا تعي المرأة حجم
الكارثة التي ستلحقها جرَّاء المساواة التامَّة مع الرجل؟ ألم تلتفت للواجبات التي
سيُفرَّط بها إن تمَّ ذلك؟ أم أنَّها لُقِّنت الحقوق ولم تسمع عن الواجبات؟
لا شكَّ أنّ المرأة التي
تعلَّمت دينها وعرفت حقوقها وواجباتها لا تغرّها هذه الدعوات والصيحات، بل ولا
تلتفت إليها. إنما تعرف أنّ الدين لا يقاس بأفعال الرجال، وأنَّ خلل البعض لا
يمثِّل إلا فاعله.
فالقضية لا تُقاس بحق
المرأة الموجود أو المعدوم، إنما بإدراكها للنظام الشرعي الصحيح، الذي يضمن لها
حقوقها ويحفظ توازن وجودها في المجتمع وأدائها لدورها. لذلك، ينبغي علينا أن نعي
مفهوم المساواة ومفهوم العدل، وأن نتجنب الخلط بينهما، فلا نثقل كاهل المرأة
بشعارات برّاقة تُفرغ مفهوم العدل من لبِّه، وتُضلّها عن رسالتها السامية، ولا
نبخسها حقها، ولا نضيِّق عليها فتخسر حريتها التي ضمنها لها الإسلام، ولكن السؤال
الذي يبقى برسم الإجابة: كم من الحقوق اغتُصبت بدعوى حرية المرأة؟
وكم لحقها من الأذى جرَّاء
تلك الدعوات للحرية المزعومة؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين.