آيات الكون في تثبيت الإيمان وتطوير العلم
بقلم: د. فهمي إسلام جيوانتو
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
من نعمة الله تعالى على المؤمنين
ومن مزايا هذا الدين الجميل هي تلك الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية التي
تزيد الإيمان وتنمي العقل وتبني الفكر. وسط حيرة الناس حول القضايا المحورية
الكبرى، فإن المؤمن المتدبر لكتاب الله يتمتع برياض الحقائق الكونية التي تثبت
إيمانه بالله وتبصره بحقائق الوجود وأصله ومصيره وهدفه.
من تلك الآيات قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]
موقع هذه الآية -كما قال ابن
عاشور - عقب سابقتها – أي قول الله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163] - موقع الحجة من
الدعوى، ذلك أن الله تعالى أعلن أن الإله إله واحد لا إله غيره، وهي قضية من شأنها
أن تتلقى بالإنكار من كثير من الناس فناسب إقامة الحجة لمن لا يقتنع، فجاء بهذه
الدلائل الواضحة التي لا يسع الناظر إلا التسليم إليها.
وهذه من الأساليب البديعة للقرآن
في تثبيت الإيمان وإقامة البرهان العقلي على قضايا العقدية. فلم يكتف القرآن
بتقرير الحقيقة وتلقين المعتقد. بل جاء بأدلة يمكن أي عاقل أن ينظر إليها ويتفكر
فيها.
لقد اختار القرآن أسلوبا يستفز
العقل ويثير قدرته على النظر والتفكر، لا أسلوبا فلسفيا معقدا ولا أسلوبا تلقينيا
مجردا. بل أسلوب يحفز الذكاء ويطرد الغباء.
نبه القرآن على الظواهر الكونية
التي يعرفها جميع الناس ثم يتركها للعقل أن ينظر ويفكر ليصل إلى أن النتيجة بالجهد
العقلي الذاتي، فتحصل القناعة الذاتية التي هي أرسخ وأثبت من القناعة التي فرضها
التلقين والإملاء.
وكان ذكاء الفطرة العربية كاف
لاستجابة هذه الطريقة العقلية، فعبر الشاعر عن الإيمان العقلي فقال:
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى
الإِلَهُ *** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ؟!
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ
آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ
تَحريكَةٍ *** وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
كانت العرب لا تعرف السفسطة التي
حجبت العقول وعقدت المنطق. فانطلقت عقولهم بعد هذا التحفيز القرآني إلى إنشاء
العلوم، وكان الإيمان بالله إيمانا علميا لا خرافيا. فأنتج هذا الإيمان العلمي
حضارة جمعت بين نشاط العقل المتحرر من الخرافات والإيمان بالوحي المحفوظ من
التحريف.
فليس الإلحاد ولا إنكار الخالق
ولا رفض الدين سمة من سمات حضارتنا كما في الحضارة الغربية المتأخرة. بل كانت
الكتب العلمية كالقانون في الطب لابن سينا والجبر والمقابلة للخوازمي وحتى تهافت
التهافت لابن رشد كلها مفتتحة بحمد الله والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام. فهذا
الإيمان القرآني يفتح العقول ولا يحجبها ويطلق العلوم ولا يسجنها.
وهكذا مئات الآيات على هذا
المنوال كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] وقوله
تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس: 6] ومثيلاتها
مبثوثة بشكل كبير جدا في صفحات هذا الكتاب العظيم. فما أسعد المؤمن الذي عاش مع
هذه الآيات تحرك العقل وتنير البصائر!
والحقيقة أن تلك الآيات التي لفت
الله الأنظار إليها لا تقتصر دلالتها على وجود الحالق سبحانه، بل تدل أيضا على
عظمته وصفاته، على عظمة الله.... على
حكمة الله... على إبداع الصانع... على إحكام الخلق... على حكمة الشرع... على كل ما
يزيد الإيمان... على كل ما يرشد العقل... على كل ما يسدد النظر... على كل ما يصلح
النفس... وعلى كل حقيقة ثابتة، وكل علم نافع وفكر مفيد... إن فيها لآيات لكل عقل
رشيد وآيات لكل قلب سليم.
والحمد لله رب
العالمين...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.