البحث

التفاصيل

موسم عشر ذي الحجة

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

موسم عشر ذي الحجة

بقلم: الشيخ فيصل نصر الشُوَيْب

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الله يخلق ما يشاء ويختار، لا يعترض عليه ذو عقل بعقله، ولا يسأل مخلوق عن علة فعله. خلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهرها رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عشرها عشر ذي الحجة، وحديثنا عن عشر ذي الحجة، هذا الموسم العظيم.

فضل العشر من ذي الحجة:

أقسم الله بالعشر من ذي الحجة فقال: (والفجرِ وليالٍ عشر).

قال ابن كثير في تفسيره: الليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، وقد قال ذلك: ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف.

قال ابن جرير-رحمه الله- في تفسيره: هي ليالي عشر ذي الحجة لإجماع الحُجة من أهل التأويل عليه.

جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن عباس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام". يعني أيام العشر من ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".  أخرجه البخاري واللفظ لأبي داود.

وعند الطبراني: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب الى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير"،

وعند الدارمي وأبي داود الطيالسي: "ما من عمل أزكى عند الله، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى"،

وعند البزار وأبي يعلى بلفظ: "أفضل أيام الدنيا العشر" يعني عشر ذي الحجة.

وقد بوب الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين [باب فضل الصوم وغيره في العشر الأول من ذي الحجة].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة قال: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة فقال: " يكفر السنة الماضية والباقية" العمل الصالح في عشر ذي الحجة أحب إلى الله وأفضل وأزكى وأعظم أجرا مما لو عملته في غير هذه الأيام، فمن أراد زيادة في الأرباح فليودع أعمالا صالحة في هذه الأيام.

الحكمة من هذه المواسم:

هذه المواسم تأتي لنعرف نعمة علينا؛ وذلك لأن الله غني عن عبادتنا فالله لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، والمستفيد من هذه المواسم هو نحن. {من عمل صالحا فلنفسه}.

هذه المواسم فيها شيء من الإعذار وإقامة الحجة على العباد، يقول تعالى: ﴿..أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ..﴾ [سورة فاطر: 37].

وفي البخاري من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة). ومعنى الحديث لم يترك له عذر إذ أمهله هذه المدة، يقال: أعذر الرجل: إذا بلغ الغاية في العذر. وجاء عند الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- " لقد أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله، لقد أعذر الله إليه".

هذه المواسم يعرف من خلالها تفاوت المسلمين في عمل الصالحات، يعرف من خلالها من همه الدنيا ومن همه الآخرة، فهي ميدان تنافس ومضمار سباق، ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 132].

وليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة أو واسطة أو نسب، ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ...﴾ [سورة النساء: 123].

فالله يقول: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله عز وجل...

أفضل الأعمال الصالحة:

أولا: الفرض أو الواجب أفضل وأحب من النفل.  والواجب والفرض هو ما طلب الشارع فعله على وجه الإلزام، ويثاب فاعله، ويعاقب تاركه.

والفرض والواجب بمعنى واحد عند الجمهور.

جاء في البخاري في الحديث القدسي" وما تقرب إليَّ عبدي بأحب مما افترضته عليه.

ثانيا: العمل الصالح المتعدي نفعه إلى الآخرين أحب إلى الله مما اقتصر نفعه على صاحبه، وكلما كان نفعه يتعدى الجماعة والعدد الكثير كان أحب وأفضل.

عن ابن عمر-رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربه، أو يقضي عنه دينا، أو يطرد عنه جوعا، ولَأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا..." أبو داود بسند صحيح.

ثالثا: ما خصه الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالذكر كصوم يوم عرفة، وكالأضحية، وكذلك التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل.

وهناك قاعدة في أفضل الأعمال الصالحة بالنسبة لشخص ما، وهو ما طلب منه شرعا في وقت معين وظرف معين. الصلاة حين حلول وقتها أفضل من غيرها، والجهاد أفضل إذا حان وقته، والصيام في وقته أفضل وهكذا كلٌ في وقته وحينه وعند وجوبه.

ثمار وفوائد الأعمال الصالحة:

1-    بالأعمال الصالحة تحيا حياة طيبة.

قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).  الحياة الطيبة فسرها بعض السلف بأنها الرزق الحلال الطيب، وبعضهم بالسعادة، وبعضهم فسروها بالقناعة، وبعضهم فسرها بالعمل بالطاعة والانشراح بها، قال ابن كثير في تفسيره: بعد ذكر هذه الأقوال، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله، فالحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت.

2-    بالعمل الصالح تخرج من دائرة الخسران.

قال تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات...).

3-    العمل الصالح لا يتخلى عنك يوم يتخلى الأقارب والأحباب.

في الصحيحين من حديث أنس-رضي الله عنه- قال- صلى الله عليه وسلم- "يتبع الإنسان ثلاثة أهله وماله وعمله، يرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله.

4-    العمل الصالح يؤنسك في قبرك.

ففي مسند أحمد، وسنن أبي داود، وابن ماجة، وهو عند الحاكم على شرط الصحيحين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، من حديث البراء- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ... ويفسح له في قبره مد بصره قال: ويأتيه رجل حسنُ الوجه، حسنُ الثياب، طيبُ الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد؛ فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح؛ فيقول: ربِّ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي...

5-    عملك الصالح يخفف عنك من وطأة وشدة حرّ يوم القيامة، وتأمن من الفزع.

جاء في صحيح مسلم من حديث المقداد- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل- قال: سليم بن عامر الراوي عن المقداد: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمساحة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين- فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، وأشار النبي بيده إلى فيه.

وأما الأمن من الفزع يوم القيامة فلقول الله تعالى: (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

6-   بالعمل الصالح تجوز الصراط على متن جهنم بسلام وأمان.

جاء في صيح مسلم من حديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالاً فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمرٍّ الريح، ثم كمرٍّ الطير، وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم..."

7-    بالعمل الصالح تخرج من دائرة الحسرة والندامة عند الموت ويوم القيامة.

قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).

قال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ...)

قال تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون).

أمور تعين على العمل الصالح:

هناك أمور تعينك على العمل الصالح منها:

1-    أن تستحضر ما أخبر الله به أن كل عمل تعمله صغيرا أو كبيرا مدون ومسجل ومحصي لك أو عليك.

قال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (*) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ [سورة القمر: 52- 53]. ومعنى الآية: وكل شيء فعلوه في الكتب التي بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (*) كِرَامًا كَاتِبِينَ (*) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [سورة الانفطار: 10-12]. وكل صغير وكبير مجموع عليهم ومسطر في صحائفهم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ويقول تعالى: ﴿هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: 29]. ومعنى الآية: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق أي يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة أو نقص، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي: نأمر الحفظة أن تدون جميع أعمالكم.

- ويقول تعالى: ﴿..وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].

- ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].

- ﴿يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: 13]

﴿... ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (*) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 120- 121].

2-    مما يعين على العمل الصالح أن نعلم أن الله سوف يوفيك ثواب عملك كاملا ولا ينقص من أجر عملك شيئا.

قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124].

ويقول تعالى: ﴿.. وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾.

ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [سورة النساء: 40].

ويقول تعالى: (وما ألتناهم من عملهم من شيء). أي أنقصناهم.

3-    ومما يعين على العمل الصالح أن تستحضر رقابة الله عز وجل.

قال تعالى: (وما تكون في شأن وما تتلوا من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه ...).

ويقول تعالى: (واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم).  المؤمنون

ويقول تعالى: (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير). سبأ.

ويقول تعالى: (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين).

من يستحضر هذه الآيات ستكون معينا له على العمل الصالح.

4-   مما يعين على العمل الصالح أن تعلم أن الله يجازيك يوم القيامة بأحسن ما كنت تعمل.

قال تعالى:(ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

5-   مما يعين على العمل الصالح أن تعلم أن الأعمال الصالحة ترفع وتذكر بصاحبها عند الله ولا تزال الملائكة تستغفر لصاحبها ما عمال صالحا.

قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).

قال ابن مسعود إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله وقال: إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أخذه ملَك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على ملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الله وقرأ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. وسنده صحيح أو حسن أو ما قاربهما كما جاء في الدرر السنية وهو في الترغيب والترهيب.

6-   مما يعين على العمل الصالح الدعاء.

اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بعد أن قال له: والله إني لأحبك فلا تدعن دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

الإنسان ضعيف لا حول له على فعل الطاعة ولا قدرة له على ترك المعصية إلا بحول من الله وقوة؛ فليستعن بالله.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
دعوة عالمية من الاتحاد لصيام ٨ ذي الحجة تضامنًا مع مجاعة غزة ودعاءً لنصرة أهلها في وجه الإبادة..
السابق
مُستَعمَرات مُعاصِرة!

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع