البحث

التفاصيل

الحج حكم وأسرار

الرابط المختصر :

الحج حكم وأسرار

بقلم: د. عبد الحق ميحي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحج الركن الخامس من أركان الإسلام وهو عبادة مالية بدنية لمن استطاع إليه سبيلا عملا بقوله تعالى: ﴿..وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ ..﴾ [سورة آل عمران: 97]. وقول النبي صلى الله عليه: (بني الإسلام على خمس .... وحج البيت من استطاع إليه سبيلا).

ولا شك أن من شروط وجوب الحج على المسلم الاستطاعة البدنية والمالية وعدم وجود عوائق تمنع الحاج، حتى لو كان مستطيعا من أداء الحج.

ولا شك أن فريضة الحج تعود بذاكرة الإنسان إلى قصة الحج زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو الترابط والتسلسل بين دعوة أبينا إبراهيم القائمة على الحنفية السمحة  ودعوة سيدنا محمد صلى الله عليه القائتين على التوحيد ة وهي دعوة جميع الأنبياء والرسل وليس كما يدعي اليهود والنصارى حتى رد عليهم القرآن الكريم بقوله: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة آل عمران: 67].

فالحج يربط الأمة بماضيها لتنطلق في حاضرها لتحقيق العبودية لله رب العالمين كما حققها إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وليست الدعوة الإبراهيمية كما يسوق الكيان الصهيوني وأبواق التطبيع سواء في شقها السياسي الرامي إلى التطبيع وتجفيف منابع مقاومة المحتل الغاصب، أو في شقها الثقافي والقائم على أساس تميع الإسلام واستئصاله من جذوره عقديا وتشريعيا وسلوكيا كدين سماوي خالدا خاتما للنبوات والرسالات متميزا في عقائده الواضحة السهلة السلسلة وفي شرائعه المحكمة القائمة على اليسر وعدم الحرج والتكامل بين التصور في الحكم والممارسة الأخلاقية في الفعل.

الحج مدرسة يتعلم فيها الإنسان التجرد من ملذات الدنيا ويوق شح نفسه ويتطهر من الأنانية والعجب والكبر ، فبتجرده من لباسه يكون قد تجرد من كل مظاهر الدنيا الزائلة والأعراض الفانية بالتلبية يعلن التجرد لله تعالى ويحرر الولاء لله تعالى وكأنه يتهيأ للخروج من الدنيا الفانية واستقبال الحياة الباقية بوقوفه في عرفات كأنه يستعد للوقوف في العرصات للحساب متذكرا قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (*) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ...﴾ [الكهف: 48 - 49].

الحج يذيب الفوارق بين المسلمين ويحقق الربانية والعالمية والمساواة بين بني البشر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: [وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون]،، الكل سواسية أمام التشريع السماوي لا ميزة لأمير على مأمور ولا فضل لعربي على أعجمي ولا فرق بين عالم وجاهل أو غني وفقير إنه الإعلان العالمي الفعلي لحقوق الإنسان العدل والمساوة وضمان الحريات وكرامة الإنسان.

الحج مؤتمر عالمي يلتقي فيه المسلمون من أصقاع المعمورة ومن كل فج عميق يتدارسون أوضاعهم ويقفون على جديد أخبارهم وأحوالهم وإذا سمحت الفرصة لتدارس خطط نهضتهم وسبل بناء عمرانهم ومعرفة خطط أعدائهم.

الحج رحلة إيمانية وترجمة عملية لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومسيرة أصحابه وسلف الأمة في عصر الاستخلاف لتجديد العهد مع الانطلاقة الوثابة والتحرر من ربقة الاستضعاف فكل موضع وكل شعيرة تذكرنا بدروس وعبر ومواقف تربوية دعوية تشريعية اجتماعية سياسية تسهم بطريقة أو أخرى في بناء الأمة أفرادا وجماعات بناء عقديا وفكريا وتشريعيا سليما يحقق الهدف الذي خلق من أجله الإنسان العبودية الحق وعمارة الأرض وتحقيق منهج الاستخلاف مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]،

ومصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة الأعراف: 56].

من أسرار وحكم الوقوف بعرفة : إنه اليوم الذي اكتمل فيه التشريع وأحكم الدين وأتم الله علينا النعمة: ﴿... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ....  [سورة المائدة: 3].

قال يهودي لسيدنا عمر لقد نزلت فيكم آية لو نزلت علينا معاشر اليهود لاتخذناها عيدا فقال سيدنا عمر رضي الله عنه والله إني لأعلم هذه الآية وفي أي يوم نزلت وهو يوم عيد عندنا.

فكما كانت العشر الأواخر من رمضان بداية نزول القرآن الكريم، كانت العشر الأوائل من ذي حجة نهاية التنزيل واكتمال البناء التشريعي للأمة واكتمال النضج والوعي الحضاري للأمة الإسلامية لتكون حاملة راية الشهود الحضاري على الأمم والشعوب: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ ...﴾ [البقرة: 143].

يقف المسلمون في عرفة وهم مجردون من الألقاب والشعارات والمناصب والامتيازات يتذكرون يوم وقف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على الصعيد نفسه معلنا مبادئ الحقوق الإنسان حقا وصدقا لجميع الأمم والشعوب بغض النظر عن الهوية والجنس واللون والمعتقد مبدأ العدل والمساواة وحماية المهج والرواح والأموال والأعراض ، وهو الإعلان الذي جعله  سلف الأمة  عنوان المسير ودليل العبور إلى ضفاف الحضارات الإنسانية الأخرى فتبوؤا الصدارة وقادوا البشرية إلى بر الأمان وشاطئ السلام ،وأنهوا حقبا تاريخية طويلة من الظلم والجور والفساد والطغيان ونشروا العدل والحق الفضيلة والحرية فخضع لسلطانهم المسلم وغير المسلم ونعموا بعدالة الإسلام ورحمته في ظل التحاور والتجاور والتشاور فأفادوا الأمم بقيمهم وأخلاقهم وتشريعهم السماوي الخالد ،  واستفادوا مما عند الأمم الأخرى من علوم وحكم ونظم وتجارب والحكمة ضآلة المؤمن أين وجدها فهو أولى بها.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

السابق
الأردن.. مسابقة قرآنية في الحفظ والتفسير والتلاوة تجمع أكثر من 50 طالبًا وطالبة من جامعات المملكة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع