البحث

التفاصيل

قافلة الصمود المغاربية؛ شرف أمة، وبطولة شعب

الرابط المختصر :

قافلة الصمود المغاربية؛ شرف أمة، وبطولة شعب

بقلم: أ. د. محمد دمان ذبيح

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد

      إن قافلة الصمود المغاربية أول قافلة عربية تحركت، وانتفضت لكسر الحصار عن غزة الجريحة، وإنها بحق تعبر عن بقايا نخوة، وعزة لازالت تنبض بها هذه الأمة، وإنها في الوقت نفسه تفتح الباب واسعا أمام التفاؤل، والمأمول من هذه الأمة ، قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج : 41]، وإنني أتمنى وبكل صدق أن تكون بداية الوعد الإلهي ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ ، وقال أيضا ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6].

    يقول ابن كثير رحمه الله تعالى " أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلله وتتفداه، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن."[1]

    إنه الوعد والنصر الذي ستراه غزة العزة، والذي بدأت تظهر ملامحه، وإرهاصته بإذن الله تعالى من خلال هذه القافلة، والقوافل التي ستأتي بعدها ، والتي تحمل هما واحدا عنوانه " لا بد من كسر الحصار عن غزة مهما كان الثمن "، وأكيد أن السنن الكونية ستستجيب لإرادة شعب أراد الحياة والعزة، وأبى الموت والهوان ، قال الله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب : 62]، ولله در أبي القاسم الشابي الشاعر التونسي رحمة الله تعالى عليه( 1909م/1934م)  عندما قال :

  إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ  **  فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي  **  ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ  **  يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ

وقالتْ ليَ الأَرضُ لما سألتُ  **  أيا أمُّ هل تكرهينَ البَشَرْ

أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ  **  ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ

   إن هذه القافلة لا تمتلك سلاحا، ولا عتادا حربيا، بل تمتلك أخوة في الدين، وغيرة على شرف الأمة وكرامتها، وضميرا إنسانيا حساسا وبارزا، وإنها الثلاثة التي يجب أن يتحلى بها كل مؤمن على هذه البسيطة، ولا خير فيمن تخلى عنها، أو قصر في حقها جميعا، بل حتى في واحدة منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ".[2]

     إن هذه القافلة أرادت أن تقدم للعدو درسا لن ينساه أبدا، فإذا كان هناك من باع وخان، فإنه أيضا يوجد من يدافع عن قضيته، ومستعد للتضحية من أجلها بالنفس والنفيس، ولا يخشى في الله لومة لائم.

      إن هذه المبادرة الطيبة المباركة من القافلة المغاربية لدليل قاطع على أن الأمة بخير، ولن تموت أبدا، على الرغم من كل الظروف، والصعاب، والتحديات التي تواجهها هنا وهناك، قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ [آل عمران: 110]، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: "هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت، وتغفو لكنها لا تنام، فلا تيأسوا، إنكم سترون عزكم إذا عدتم إلى ربكم".

     وعلى الأمة الإسلامية اليوم أن تحذو حذو هذه القافلة، وتكسر كل خوف، وكل تشتت وفرقة، وتجتمع على قلب رجل واحد من أجل كسر الحصار عن غزة الروح، وروح الروح، إنها الأمانة التي سنسأل عنها جميعا يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [الصافات: 24].

      إن هذه القافلة عبرت، وبرهنت على صدق عزيمتها، فلعل وعسى أن تكون سببا في تغيير تفكير، وتصورات الآخر من أبناء هذه الأمة، شعوبا وحكاما، وذلك من سلبية التنديد، والأقوال إلى إيجابية القرار، والأفعال، وصدق الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور رحمة الله تعالى عليه عندما قال:

  إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ... فإنَّ فساد الرأي أن تترددا

    إنها الشعوب عندما تتحرك، وعندما تريد التغيير فسوف يخضع لها كل شيء، يقول حكيم الثورة الجزائرية الشهيد محمد العربي بن مهيدي رحمة الله تعالى عليه (1923م/1957م): "ألقوا بالثورة الى الشارع، يحتضنها الشعب".

     وإنها الرسالة القوية، أو نداء الواجب الذي أطلقه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومفاده: "ندعو العلماء والدعاة، وأهل الفكر والرأي، والمؤسسات العلمية والدعوية إلى المشاركة الفاعلة في هذه القوافل، سواء بالحضور، أم بالحث عليها بالكلمة والموقف، والمال، وذلك نصرة للحق، وقيامًا بواجب الوقت".

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.



[1] - ابن كثير ، تفسير ابن كثير ، ج03، ص: 392.

[2] -  أخرجه البخاري برقم 6064.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
قافلة الصمود تصل ليبيا وسط زخم شعبي مغاربي يهتف لفلسطين
السابق
الاتحاد يعقد مؤتمرًا دوليًا تحت عنوان "وا أقصاه" للدفاع عن القدس والمقدسات

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع