من سفينة مافي مرمرة إلى سفينة مادلين.. التحرير يقترب
بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بعد فرض الحصار على قطاع غزة بثلاثة أعوام أطلق نشطاء وأحرار من أنحاء
العالم ما عرف بـسفينة "مافي مرمرة"، يعني "مرمرة الزرقاء"، وقد
كانت ضمن "أسطول الحرية"؛ حيث كانت سفينة "مافي مرمرة" جزءا
من هذا الأسطول، استهدف هذا الأسطول الذي انطلق في 2010م كسر الحصار المفروض على
قطاع غزة منذ عام 2007م، ووقع آخر شهر مايو ما عرف بـ: "مجزرة أسطول الحرية"،
وهي اعتداء عسكري قامت به القوات الإسرائيلية، وأطلقت عليه اسم عملية "نسيم
البحر"، أو عملية "رياح السماء"؛ مستهدفةً به "نشطاء سلام"
على متن قوارب تابعة لأسطول الحرية؛ حيث اقتحمت قواتٌ خاصة تابعة للبحرية
الإسرائيلية فجر يوم الإثنين كبرى سفن القافلة «مافي مرمرة» التي تحمل 581
متضامنًا من حركة غزة الحرة - معظمهم من الأتراك - داخل المياه الدولية، وقد قعت
تلك الأحداث فجر يوم 31 مايو، 2010 في المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط، وقد
وصفت بأنها مجزرة، وجريمة، وإرهاب دولة، ونفذت هذه العملية باستخدام الرصاص الحي
والغاز.
واليوم انطلقت سفينة "مادلين"، وهي السفينة رقم 36 ضمن تحالف "أسطول
الحرية"، الذي يهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام2007م؛
حيث أبحرت مطلع يونيو/حزيران 2025م من "ميناء كاتانيا" الإيطالي باتجاه
القطاع، وتحمل على متنها 12 ناشطًا من جنسيات متعددة، إضافة إلى مساعدات إنسانية
تشمل الغذاء والدواء والمعدات الطبية، وسُميت السفينة على اسم مادلين كُلاب، وهي
أول فتاة فلسطينية احترفت صيد الأسماك في قطاع غزة، وقد فقدت والدها ومصدر رزقها
بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023م.
وقد أنذرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية سفينة مادلين بأن تغير مسارها،
ولكنها لم تفعل، فقامت هذه القوات بمصادرة السفينة وقرصنتها، وزعمت أنها ستقوم
بتوصيل المواد الإغاثية لأهل غزة عبر طرق حقيقية، وستعيد ركاب السفينة إلى
بلدانهم!
واليوم تنطلق سفن أخرى من المغرب العربي الكبير إلى غزة، وتنطلق سفن أخرى من
أمكان متعددة، منها قافلة "البنيان المرصوص" من تركيا إلى غزة، وتتجدد
الدعوات إلى قيادة سفن أخرى، وإطلاق قوافل إضافية.
أهمية هذه السفن والقوافل
وتأتي أهمية تسيير هذه السفن وتلك القوافل من أنها تعبر عن معنى "الأمة
الواحدة"، ومعنى "الإنسانية النبيلة" الذي يستجيب لنداء الإنسانية
المعذبة في غزة، واستجابة لصرخات الأطفال وكبار السن والنساء والضعفاء والمرضى،
واستنقاذًا لما تبقى من أرواح تعاني الجوع والعطش وقلة الدواء.
ونصوص الوحي الشريف في القرآن الكريم والسنة النبوية مليئة بالنصوص التي
تأمر بالنجدة والتكافل والتضامن وإجابة الملهوف، وإطعام الجائع، وسقي العطشان،
فهذه الأمة أمة واحدة، والمسلم للمسلم كالبنيان، والمجتمع الإسلامي قوي متماسك
يستجيب بعضه لبعض، ويُغيث بعضه بعضًا؛ فضلا عن أن كارثة غزة أًبحت إنسانية، يستجيب
لها الأحرار في العالم، بصرف النظر عن جنسياتهم وأديانهم، بل إننا وجدنا من أصحاب
الضمائر الحية من غير المسلمين مَن يستجيبون ويتأثرون ويتفاعلون مع أحداث غزة أكثر
من كثير من المسلمين.
إحراج الكيان الإسرائيلي وإحياء الضمير العالمي
تأتي أهمية تسيير هذه السفن وتلك القوافل أيضًا من أن الكيان المحتل سوف
يعمل جاهدًا على منع هذه السفن الإغاثية، ومصادرة ما عليها، وربما يمارس القتل إذا
لزم الأمر، وهذا المنع وتلك المصادرة سوف يستنزل غضب المجتمع الإنساني على
إسرائيل، ويستفز أصحاب الضمائر الحية من عموم الإنسانية، ويحيي أصحاب الضمائر
الميتة أو الضعيفة، ويجعل المجتمع الإنساني يحتشد لتسيير المزيد من السفن، وإطلاق
العديد من القوافل الإغاثية؛ كردّ فعل على منع إسرائيل وصول السفن الإغاثية إلى
غزة.
ولا شك أن هذا سوف يحرج إسرائيل عالميًّا، ويُشكّل رأيًا عامًّا مضادًّا،
ويُكَوّن مجموعات ضغط تضغط على حكومات العالم ومؤسسات القرار فيه، مما يجعلها تتخذ
إجراءات ضد هذا الكيان المحتل، بإرادتها أو بغير إرادتها، وهذا كله يعمل على
المزيد من تضخيم سمعة إسرائيل السيئة، ويُسوّد وجهها عالميًّا ومجتمعيًّا، وفي
الناحية الأخرى يعزز من التضامن مع أهل غزة، ويقوي الاحتشاد لنجدتها ونصرتها.
اقتراب التحرير
إن ما شهدناه ونشهده اليوم منذ 7 أكتوبر 2023م قد مثَّل ضربة كبرى
لإسرائيل، لا يمكنها أن تعود بعدها كما كانت قبلها؛ فلأول مرة يُقتل هذا العدد من
الجيش الإسرائيلي، ويُجْرح هذا العدد الكبير، ويصاب عدد كبير أيضًا بعاهات
مستديمة، وأمراض نفسية يحتاجون فترات زمنية طويلة لإعادة تأهيلهم نفسيًّا مرة
أخرى، ولأول مرة نرى أن سمعة إسرائيل ساءت بهذا الحجم الكبير، وأصبحت قدرتُها على
الحزم والنصر محل شك، سواء على مستوى المجتمع الإٍرائيلي داخل فلسطين المحتلة أو
على المستوى العالمي، وذلك بعدما قامت به قوات المقاومة الفلسطينية من بطولةدات
غير مسبوقة، وما أثبتته من قدرة على تمريغ وجه الجيش الإسرائيلي في التراب.
كما أن هذه المعركة "معركة طوفان
الأقصى" أسهمت بشكل كبير في
إساءة وجه إسرائيل عالميًّا، وعملت على إحياء الضمير العالمي، وتوسيع دوائر الغضب
ضد الكيان الإسرائيلي، وهذا يمثل حصارًا عالميًّا لإسرائيل على مستوى الضمير
الإنساني، سيكون أقوى من الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007م، ومما لا شك
فيه أن هذا سيكون له أثره الإيجابي على قضية فلسطين، وأثره السلبي على الكيان
الإسرائيلي؛ سياسيًّا وقانونيًّا ودبلوماسيًّا.
إن هذا كله يحمل بشاراتِ اقترابِ التحرير، وأننا كأمة مسلمة وكإنسانية
عالمية، نستطيع أن نفعل الكثير، وأن المقاومة تقدر على إحداث الخسائر الكبرى بهذا
الجيش الإسرائيلي، الذي زعم أنه لا يُقهَر، وسنشهد الأيام القادمة مكاسب
استراتيجية لمعركة طوفان الأقصى لن تظهر الآن، ولن ندركها الآن، كما أننا على يقين
أن النصر الكبير، والتحرير الكامل للأرض والقدس والأسرى والمسجد الأقصى قد أصبح في
الإمكان، وهذا ما سنراه قريبا في الأيام القادمة بإذن الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين.