البحث

التفاصيل

هل نجحت قافلة الصمود أم لا؟

الرابط المختصر :

هل نجحت قافلة الصمود أم لا؟

 

قافلة الصمود البرية قافلة شعبية إنسانية سلمية، وهي فرع عن القافلة العالمية ذات الأجنحة الثلاثة: البري والبحري والجوي، غايتها الكبرى كسر الحصار، وإدخال أطنان المساعدات المكدّسة في رفح والعريش بمصر.

تكفلت قافلة الصمود "المغاربـية" بالمسار البري (من الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا)،حيث كان انطلاق أعضاء الوفد الجزائري يوم الأحد 12 ذي الحجة 1446 الموافق لـ 08 جوان 2025، ليلتحقوا بنقطة التجمّع في العاصمة التونسية، ومنها في اليوم الموالي نحو الشقيقة ليبيا.

فالقافلة تمثل حركة شعبية حضارية نابعة من وعي جماهيري، رفضاً ودفعا للظلم الذي يتعرض له المدنيون من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، منذ ما يربو عن سنة ونصف أمام مرأى العالم (المتحضر) وسمعه، استجابة لقوله تعالى ( وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر )، في رسالة واضحة منها بأنّ الشعوب لن تبقى صامتة مكتوفة الأيدي أمام الانتهاكات الصهيونية الهمجية الصارخة التي تجاوزت كل الحدود والخطوط الحمراء، فقدّر الله أن تنبعث قافلة الصمود كشعاع يبدد عتمات التواطؤ والخذلان، وليعيد للأمة المغاربية شيئا من وهجها المشرق المتألق عبر تاريخها المشرف.

شاء الله لها ألاّ تكون مجرد قافلة لكسر الحصار فحسب، بل كانت مشهدًا نادرًا من البطولة المدنية، والغزو بلا بندقية، والتلاحم الشعبي، ومحاولة للخروج من مستنقع العجز الذي يتخبّط فيه كثيرون من أبناء أمتنا، في زمن الانكفاء القُطري وتفكّك الموقف الجماعي، شاء الله أن تكون القافلة مبادرة شعبية جماهيرية وحْدوية مكمّلة لكل القوى الحية في الأمة ولتضيف إلى رصيد النضال الوطني القطري، بعداً شعبياً عابراً للجغرافيا الدخيلة، لتمارس الإشهاد على الأمة بأداء ما يلزم، وتبليغ الرسالة بكل صدق وعزيمة.. ولتنبثق منها إمكانات الفعل الأوسع، وترتسم معالم مستقبلٍ أكثر كرامة وحرية، وليكون في ذلك توجيه لهذا الجيل بضرورة وعيه أن تغيير الواقع يبدأ بتغيير السلوك الجمعي والتحرّك الواعي ضمن كل المساحات المتاحة، ومنها هذه المساحة التي أنتجتها قافلة الصمود.

لقد احتُضنت القافلة بحب وأمل من قبل روادها وكذا مناصريها الذين خرجوا إلى ضفاف الطرقات التي سلكتها ، مرحلة بعد مرحلة.، بالدموع والاستبشار وصادق الدعوات، منهم و ممن لم تسعفهم أحوالهم للخروج، مع تتبع الجميع لمساراتها خطوة بخطوة.

ومن مظاهر ذلك الحب والاحتضان الشعبي المسارعة بالتبرع لملأ خزانات مركباتها ـ عشرات الحافلات والسيارات ـ بالوقود مجانا، ونحر الأنعام والإبل وحسن الضيافة وتقديم العطايا والهدايا، وغير ذلك من صور الضيافة والحفاوة خاصة عند إخواننا الليبين الكرام، الذين فتحوا أحضانهم إكراما وإسنادا.

لقد توبعت القافلة من قبل الملايين، عربهم وعجمهم، مسلمين ودون ذلك، حتى صارت أيقونة العالم في الإعلام لعدة أيام، سار خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها مشيّعون في كل مسلك سلكته على مسافة تقارب 5000 كلم ذهابا وإيابا، ليكثروا سوادها ويعظم زخمها الاعلامي وتحرج المطبعين والشانئين ومن شايعهم، لتحقق غايتها في نصرة أهلنا في غزة.

وقد ابتُليت القافلة إثر بلوغها شرق ليبيا الذي يحكمه أسير الجيش التشادي قديما، الذي صار بعدُ عدوًّا لبلاده وعبدا لوكلاء بني صهيون من الأمريكان وحُقّرِ العربان، والذي قضى أكثر من عشرين سنة في أمريكا قريبا من مقر مخابراتها المركزية يُعلف ويهيَّأ ليكون خنجرا مسموما في ظهر الأمة الليبية، وذلك ما دُفع لتنفيذه بعد الثورة الليبية.

قلت وبأوامر من مشغليه حاصر القافلة في البيداء ومنع عنها المؤونة وطوّق أعضاءها من رجال ونساء، بعصابة أشبه بمرتزقة الحروب، طالما أفسدت في ليبا وسفكت فيها الدماء، فكادوا أن يفتكوا بالقافلة لولا لطف أرحم الرحماء، الذي هيّأ أسباب المتابعة العالمية لاحتجازهم،

ورغم ذلك لم يبرحوا الأرض على ما أصابهم من لأواء حتى تبيّن لهم مدى استعداد القوم للغدر، والعزم على منعهم وصدهم وذلك أهون الأمر، ممن لا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمّة، فعادوا أدراجهم وقد أعذروا إلى العليم الخبير، وفضحوا كل عميل وحقير.

كما انبرى للقافلة تشويهًا وتسفيها وطعنا في نياتها وتجريحاً، أولئك المستراحية الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يظنون أنهم ( من المومنين رجال ) وقد انغمسوا في صنيعة أبي رغال، الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، سلٕم منهم اليهود والنصارى والأعداء، ولم ينجُ من شرور ألسنتهم الحداد المجاهدون والمصلحون والشهداء، ينطبق عليهم أسوأ الوصفين في قول الشاعرين:

ـ خلق الله للحروب رجالا... ورجالا لقصعة وثريد

ـ دع المكارم لا ترحل لبغيتها...واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

قوم رابضون في بيوتهم، قبلتهم بطونهم و زوجاتهم، على الأرائك متمددون وقبالة المكيّفات منبطحون، رضوا بأن يكونوا عن كل فضيلة من الخوالف، وخلف كل متصهين وخائن مطبع من الزواحف، يطوّعون دينهم للأمراء، ويغيّرون الفتوى تبعا للأهواء، أراح الله من فجورهم العباد والبلاد الشجر والحجر والخنافس والدواب.

لقد حققت القافلة من صور النصرة وكسر الحصار ما يمكن إجماله في الآتي:

- كسرت حصار الصمت والحصار الأخلاقي والإعلامي، ورفعت سقف الدور الشعبي

- أحيت القضية في ضمير الأمّة الإسلامية، وضبطت ووحّدت نبض القضية فيه، حتى لا يفتر أو يموت بفعل التقادم وطول الأمد.

- أسعدت أهل غزة وفلسطين وأكدت أنّ الشعوب لن تخذلها ولن تتخلى عنها، مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد.، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر)

وقوله عليه الصلاة والسلام: ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ....

وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)..

- ترسيخ الوحدة الاجتماعية العميقة بين شعوب المغرب العربي، وتمتين اللحمة، وطي المسافات ببنهم، وفضح وتكسير أوهام الحدود القاتلة، وستكون بإذن الله لبنة أساسية في الوحدة المأمولة

- فعّلت تيارا شعبيا جديدا يؤسس لمقاومة بلا رايات حزبية أو إيديولوجية، يضاف لكل التيارات الحرة،

- أيقظت الأمل في النفوس أنّ الشعوب قادرة على التحرك الميداني ضد الخذلان

- جسّدت تنامي التعاطف الإنساني والتأثير في الضمير العالمي لتوجيهه نحو عدالة قضية غزة وفلسطين.

- أرهبت الكيان الصهيوني الذي حرك حراس حدوده وعملاءه لمنع القافلة وصدّها بكل الطرق والآليات، مما يكشف هشاشته، وإمكانية عزله دوليا.

- بيّنت أنّ العائق الحقيقي لفك الحصار، ليس الاحتلال فحسب، فهو أوهن من بيت العنكبوت، بل أنظمة الخيانة والطوق وعلى رأسهم مصر السيسي.

- قدّمت دروسا في الشرف، التوكل، الصدق، التضحية، والشجاعة، وفتحت طريقا نحو الوعي والكرامة والوحدة.

- كشفت المعوّقين والمرجفين والمخاذلة المثبطين وألحقتهم بأسلافهم الذين عناهم الله بقوله المبين، في براءة الفاضحة والأحزاب الكاشفة:

- ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة 81

( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا. أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) الأحزاب 18. 19

كما أذلت عملاء ووكلاء الأمريكان وحماة أمن وحدود الصهاينة ممن يصدق فيهم قول القائل:

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة...ربداءُ تجفل من صفير الصافر.

إن هذا وغيره ليبيّن بما لا يدع مجالا للشك مدى نجاح القافلة بتوفيق من الله تعالى، وذلك ما يدفع كل صادق من هذه الأمة للعمل والإسهام فيما هو آت من المبادرات والقوافل بحول الله.

نسأل الله لمن خرج في هذه القافلة وخاض صعابها وتحرك من أقصى المغرب العربي تحقيقا لغاياتها، وأنفق من وقته وماله في سبيلها أن يجازيهم الله خير الجزاء وأن يدرجهم ضمن من عناهم من التبوكييّن ببشرى قوله:

( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ..وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) التوبة 120. 121

 


: الأوسمة


المرفقات

التالي
احتجاجات مغربية وموريتانية حاشدة تندد بالإبادة الجماعية في غزة والعدوان على إيران
السابق
صراع المشاريع الأربعة - قراءة مركزة في واقع الحرب والموقف الشرعي

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع