بسم الله الرحمن الرحيم
فريضة
الجهاد مسلكا للتحرير
بقلم: د. مُحمّاد
رفيع
عضو
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مقدمة
إن اللحظة
الزمنية للأمة أيها الكرام لحظة استراتيجية فارقة وفاصلة، حصرت خيارات الأمة تجاه
قضيتها الأولى قضية فلسطين في فريضة الجهاد بمفهومه الشامل الكامل مسلكا حصريا
لتحرير الأمة وفلسطين، لأن العدوان الواقع على الأمة شامل، وأن طوفان الأقصى أسقط
كل خيارات الاستسلام وبيع القضية بجميع صوره.
وإنما شرع الله الجهادّ فريضة ماضية
إلى يوم القيامة في كتابه تأسيسا، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تأكيدا وفي
سيرته عليه الصلاة والسلام تطبيقا عمليا، من أجل حماية رسالته الخاتمة لتبلغ للناس
أجمعين في أجواء من السلم العالمي والتواصل الحضاري بين مختلف الثقافات والحضارات،
تحقيقا لمقصد التعارف.
فما الداعي الزمني لفريضة الجهاد في
تحرير فلسطين؟ وما صورة الجهاد المتعينة زمنيا في حق أهل العلم؟
المبحث
الأول: الداعي الزمني لتعين الجهاد مسلكا لتحرير فلسطين
أستطيع أن أجمل الداعي الزمني لتعين الجهاد مسلكا لتحرير فلسطين
في الآتي:
- الكيان
الصهيوني صناعة استعمارية تآمرية في قلب الوطن الإسلامي لتكون عائقا استراتيجيا لأي سلام واستقرار
ونهوض تنموي ووحدة في الأمة وفي العالم، بل هو، كما تثبت الأحداث الجارية الآن، وسيلة
لتأبيد حالة الضعف والتمزق والتخاذل والهيمنة على دول الأمة الإسلامية.
- التحرير
الكلي لفلسطين تعين بمنطق الشرع والتاريخ والواقع أنه يتم عبر مسارين: أحدهما عاجل وهو دعم المقاومة الفلسطينية،
وصمود الشعب الفلسطيني بكل الوسائل الممكنة على سبيل الوجوب الشرعي العيني الزمني،
وثانيهما آجل،
وهو العمل على تحرير أقطار الأمة من حالة الاستبداد والفساد التي تحول دون تنمية
أو وحدة، كما تحول بين جماهير الأمة وقضيتها الأولى.
- القضية الفلسطينية الآن في سياق معركة طوفان الأقصى
كشفت على نحو غير مسبوق عن حالة الاضطرار العاجل لتحرير الأمة ودفعها نحو الوحدة،
وذلك من خلال ما انكشف من حقائق متناقضة: أولاها: حجم تآمر وتخاذل الأنظمة السياسية
الرسمية في العالم الإسلامي للشعب الفلسطيني فيما يتعرض له من إبادة جماعية جنونية
من الكيان الصهيوني، وثانيها:
حالة الهبوب الجماعي والفردي والفئوي لشعوب الأمة في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني
بكل الوسائل رغم التضييق والحصار، وثالثها:
حجم التآمر الغربي الشامل على الشعب الفلسطيني في دعم الكيان الصهيوني.
إذا
كان هذا هو الداعي الزمني للجهاد الشامل لتحرير فلسطين والأمة، فما نوع الجهاد
المطلوب من أهل العلم خصوصا.
المبحث
الثاني: الصورة الزمنية لجهاد أهل العلم
يتأسس القول في الصورة الزمنية
للجهاد المطلوب من أهل العلم على نوعين من الجهاد: جهاد بناء التصورات السليمة،
وجهاد بيان منجزات جهاد المقاومة العظيمة.
أولا: جهاد
بناء التصورات
من
أشد أنواع الهجوم العدواني الذي تتعرض له الأمة في قضيتها المركزية فلسطين حرب
المفاهيم وتخريب الذاكرة، لبناء تصورات مشوهة، لذلك تعين على أهل العلم الجهاد من
أجل تأمين سلامة المفاهيم ودفع حالات التحريف والانتحال، وذلك من خلال: تأصيل
وتصحيح مقاصد الصراع مع
العدو الصهيوني، والمفاهيم المؤسسة
للصراع، والمصالح المرجوة
من الصراع.
1):
تصحيح مقاصد الصراع مع الكيان الصهيوني: وذلك من خلال بيان أن:
- معركة طوفان الأقصى ليست اندفاعا حماسيا عاطفيا،
ولا هجوما مغامرا مقامرا، لا يقدر حساب المعركة حق قدرها، ولا يتوقع مآلات الفعل،
كما يتصور بعض السذج والمرجفون، وإنما لهذه المعركة مقاصد مرعية حكمت فعل
المقاومة، كما أن للعدو الصهيوني المحتل مقاصدّ واضحة من عدوانه، فنحن في واقع
الحال أمام صراع المقاصد قبل صراع المعارك.
- فمقاصد المقاومة من معركتها التماس الحق
والعدالة والحرية والكرامة، والوسيلة المتعينة لتحقيق هذه المقاصد هي المقاومة
الشاملة، من حيث هي خيار
استراتيجي، لدفع
الاحتلال،
فلا تنحصر مواجهة
العدو في المقاومة العسكرية، وإنما مواجهته شمولية في الإعلام والتعليم والثقافة
والفن، وفي كل شيء.
- أما مقاصد العدو الكبرى فهي إعدام فكرة
المقاومة، وكسر إرادتها من أجل الهيمنة على المنطقة، وذلك كما أعلن العدو ومسؤولوه
ذلك، والوسيلة التي اتخذها العدو لتحقيق مقاصده هو التقتيل والتدمير والتهجير
والتعذيب، وغيرها من أرذل وسائل العدوان، وهي وسائل ما زال العدو يمعن بكل شراسة
وخبث في استعمالها أمام العالم، في زمن الصورة الحية.
- 2): تصحيح المفاهيم في الأذهان لتثمر مواقف في الأعيان
-
فالمقاومة أول مفهوم رئيس من مفاهيم
معركة طوفان الأقصى، على أساس فهمه يتحدد معرفة ما يجري من تفاصيل معركة طوفان
الأقصى، ومدار هذا المفهوم على النظر إلى المقاومة من حيث هي حالة نهوض قيميةٌ في
المجتمع الفلسطيني وفي الأمة، وحالةٌ وعي ناضج باللحظة الزمنية التي تمر منها
الأمة والقضية الفلسطينية، ومقتضياتها، وبطبيعة المعركة، كما أنها تمثل حالة معرفةٍ
دقيقة بمقومات العدو ومخططاته وموارد دعمه وشرايين إنعاشه، وبالقوى العالمية
المتنفذة الشريكة مع العدو في عدوانه، وهي في النهاية خيار استراتيجي، ولها
تعبيرات متنوعة، منها المقاومة بالخطاب والمقاومة بالموقف والمقاومة بالإعلام
والمقاومة بالفن، والمقاومة بالثقافة، والمقاومة بالبحث العلمي، والمقاومة
بالإفتاء، والمقاومة بالمال، والمقاومة بالتعليم، والمقاومة بالسلاح، إلى غيرها من
أوجه المقاومة.
-
مفهوم الحاضنة الشعبية:
- من رحم
الشعب الفلسطيني خرجت المقاومة، فلا يستغرب أن تلتحم المقاومة بحاضنتها الشعبية،
لأنها تعبير أمين صادق عن طموحات الشعب الفلسطيني، وذرعُها الحامي الوحيد من ويلات
الاحتلال، خصوصا وأنها ربطت كل مجريات معاركها ومقاومتها المتعددة، قبل معركة
طوفان الأقصى بالقدس، من حيث هو المحور والبوصلة، وعليه مدار الصراع كلِه، كما
ربطته بالتصدي لعدوان الاحتلال الذي لا يتوقف على الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى
جوانب أخرى متعددة مما فعله بنو صهيون في أهل فلسطين من دمار، وقتل الأجداد، والتهجير المبكر، وغيرها من أوجه النكبة على مدى عشرات السنين،
كل ذلك يستحق معارك متواصلة من المقاومة، غير أن العنوان العابر لمحطات معارك
المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني هو القدس والأقصى، لأنه الجامع للأمة كلها.
- مفهوم الثمن المستحق
- ففي استماتة أهل غزة وسط
ما هم فيه من شدائد الأهوال وعظيم البلاء، ما حرك ضمير الإنسانية، وحرر العالم مما
غشيه سنين عددا من حالة التخدير بأساطير الصهيونية، وما زال يحرك وعي الأمة
المكبلة بعوائق الاستبداد.
- أما
الذين استكثروا على أهل غزة صمودهم وصبرهم الاستثنائي، إلى حد اللوم والعتاب،
وكأنهم اختاروا ما هم فيه، وما اضطروا إليه، فلم يفهموا ولم يستوعبوا أو لم يريدوا
أن يستوعبوا معركة طوفان الأقصى، لذلك تلفيهم يركزون على مظاهر ما يجري في غزة من
دمار وقتل وتعذيب وتجويع، وهو مؤلم محرق بلا خلاف لكل ذي ضمير وعاطفة إنسانية،
فكان على هؤلاء اللائمون أن يعيدوا صيغة السؤال، على حد تعبير عدنان حميدان، على
هذا النحو: "ماذا خسر الاحتلال بعدوانه على
غزة.
- رحم
الله ابن القيم الذي قال: " فإن القلب
كلما كانت حياته أتم، كان غضبه لله ورسوله أقوم، وانتصاره للدين أكمل"
-
مفهوم القضية الفلسطينية:
-
تمثل القضية الفلسطينية بحق حالة إنسانية عادلة، وقضية
احتلال، وقضية إنسان ومقدسات وحضارة، وليست حالة موضعية، وهي
عنوان الأمة ومرآتها انتصارا وانكسارا، وأم قضاياها التي أجمعت عليها بمختلف
طوائفها وأحزابها وقبائلها وشعوبها، وهي من وجه آخر جرحها العميق، وهي الفاضحة للخائنين والمطبعين
والمرجفين، وهي أكبر
شاهد وأعدله على ظلم الصهاينة الأسود بمشاركة الغرب الاستعماري، وأكبر دليل على السقوط الأخلاقي
والقانوني والإنساني المدوي للمنتظم الدولي، وما يحصل من الإجرام في حق فلسطين
وأهلها إجرام في حق الأمة وفي حق الإنسانية وفي حق عدالة الكون.
المبحث الثاني: جهاد بيان المنجزات
الحاجة قائمة على وجه العجلة للكشف عن منجزات الجهاد
المصلحية حالا ومآلا
-
المنجز الحالي للمقاومة: يتمثل في:
-
نسف أكبر مخطط تآمري أعد لتصفية
القضية الفلسطينية نهائيا، ألا وهو مخطط التطبيع الذي دب في العالم العربي على نحو
سريع ومأساوي كالنار في الهشيم، وهو إنجاز عظيم صدم المطبعين وأذهل الصهاينة
المعتدين، وفاجأ الغرب المتآمر، فسقط المخطط بكامله تحت أقدام المقاومين، وارتفعت
أسهم القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي من حيث خطِط لها أن تطوى
فتنسى، فلولا توفيق الله أن تسربت المعلومة النفيسة للمقاومة في الزمن الحاسم،
لكان الحال أن يفتكوا بغزة دون أن يفتك بهم.
-
انكشاف الوجه البشع المتوحش للكيان
الصهيوني، وهي الحقيقة التي ظلت مستورة عن الرأي العام العالمي، بفعل المال
والإعلام الصهيونيين، لسنين عددا، وهو إنجاز مذهل يحتاج إلى سنوات من العمل
الثقافي والإعلامي والمالي والنضالي لإقناع العالم بخطورة الكيان الصهيوني على
العالم والإنسانية، وقد أنجزته المقاومة بحاضنتها الشعبية في أقل من سنة واحدة،
حين هبت جماهير الناس في مختلف أنحاء العالم لاستنكار واستبشاع جرائم الصهاينة.
-
التأثير في النخب الفنية والإعلامية
والنخب الثقافية والأكاديمية والقانونية والمنظمات الحقوقية في مختلف دول العالم،
لتنضم إلى جحافل المحتجين والمعتصمين على الدوام، فازداد الضغط على الكيان
الصهيوني وعلى داعميه من الدول الغربية، وازدادت عزلة الصهاينة في العالم، حتى توج
ذلك بإصدار مذكرة الاعتقال لقيادة الكيان الصهيوني السياسية والعسكرية باعتبارهم
مجرمي الحرب.
-
انكشاف حالة التناقض في الأمة
الإسلامية بين التآمر والإرجاف الرسمي، وبين التضامن والإسناد الشعبي، وانكشاف
حالة التناقض في النظام الغربي بشقيه الأوروبي والأمريكي، بين شعار حقوق الإنسان
والديمقراطية والمساواة والحرية، وبين موقف السقوط الأخلاقي على أرض غزة، في معركة
طوفان الأقصى، حيث انفضح الغرب أمام العالم عاريا عن الأخلاق والقيم.
-
حالة الانكشاف الاستراتيجي للكيان
الصهيوني لأول مرة، وذلك بسقوط سرديات المحتل تماما التي هيمنت على العالم زمنا
غير قصير في زمن الصورة الحية المباشرة، وهو ما أدى سريعا إلى تفشي حالة الرعب
والهلع والخوف من المصير المجهول، وسط المجتمع الصهيوني، ترتب عن ذلك بداية الرحلة
العكسية للصهاينة إلى بلدانهم الأصلية، وازادا الانكشاف مع صواريخ إيران.
-
حالة الاستنزاف التي تجري الآن وقبله،
للداعمين الغربيين لبني صهيون ماليا وعسكريا وسياسيا، وحالة التذمر والرفض وسط
الجيش الصهيوني.
-
المنجز الاستراتيجي:
-
إشاعة ثقافة المقاومة في الأمة
الإسلامية، وفي العالمين، واستعادة وعي الأمة بقضية فلسطين وأعدائها، وهو ما سيمكن
الأمة الإسلامية خصوصا في الزمن غير البعيد، من السعي لاستعادة ولايتها على نفسها،
وقرارها بيدها، فتنفض عنها الاستبداد الذي عشش فيها طويلا، وحال بينها وبين
مصالحها الاستراتيجية الكبرى، ومنها قضية فلسطين.
-
اتساع دائرة الحاضنة الشعبية للمقاومة
لتتجاوز دائرة فلسطين إلى العالم الإسلامي إلى العالم الإنساني، فتصبح المقاومة
الفلسطينية أيقونة العالم ملهمة لغيرها، فتسقط عنها تهمة الإرهاب، خصوصا وأن
القضية الفلسطينية من حيث التحرير وإنهاء الاحتلال قضية أمة وليست قضية أهل غزة
ولا أهل فلسطين وحدهم.
-
استعادة العالم وعيه المخطوف بفضل
معركة طوفان الأقصى، ليدرك حقيقة أن الكيان الصهيوني عائق استراتيجي حقيقي لأي
سلام واستقرار ونهوض تنموي في العالم، وهو ما سيتطور إلى تجريم الصهيونية عالميا.
-
أيلولة مصير العدو الصهيوني إلى حالة
الانكسار والانحصار فالاندحار، بفعل الضربة الاستراتيجية لطوفان الأقصى وما تلاها
من الضربات، من جهة، وبفعل تخلي الغرب التدريجي عن دعم الكيان الصهيوني من جهة
أخرى، وهو ما سيدشن بداية الزوال بإذن الله.
-
انطلاق البداية الفعلية الحقيقية
للتمكين الحضاري للأمة، بعد أن تكون قد لفظت عنها الأنظمة الاستبدادية التي ظلت
تشكل عائقا موضوعيا لأي نهوض حضاري في الأمة.
وفي ختام هذه الكلمة أسأل الله العظيم رب العرش الكريم
أن يغيث أعزتنا في غزة وفي فلسطين وأن يمكن إخوتنا في إيران من الصهاينة المجرمين،
وأن يحرر أمتنا من حالة الاستبداد والفساد والإرجاف.
والحمد لله رب العالمبن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.