البعد الديني في حياة القائد العظيم الرائع
(الشهيد محمد
العربي بن مهيدي)
بقلم: د. محمد دمان ذبيح
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد
مما لا اختلاف فيه أن أي شخصية عظيمة تتميز
بجملة من الخصائص والسمات التي جعلتها تفوق الأقران مبدأ وهمة، وفكرة وسلوكا، ولا
شك أن الجانب الديني، أو البعد الديني يعتبر واحدا من أهم هذه الخصائص التي تصل
بصاحبها إلى مستوى التميز والتفوق.
ومن
أكثر الشخصيات التي ينطبق عليها هذا الكلام شخصية الشهيد محمد العربي بن مهيدي
رحمة الله تعالى عليه، وهو من مواليد (1341هـ - 1376هـ /1923م-1957م) بعين مليلة
التابعة لولاية أم البواقي – الشرق الجزائري-، والملقب "بحكيم الثورة
الجزائرية "، و"صندوق الأفكار" وقد كان من القادة الستة
الذين فجروا الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954م.
إن جميع الدراسات التاريخية تؤكد على أن
عائلة الشهيد عرفت بتمسكها بالدين والأخلاق، ومحافظتها على تاريخها وموروثها
الحضاري، وحبها لأهل العلم، وعنايتها بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة، وعملا وسلوكا،
إذ يذكر الذين يعرفون هذه العائلة عن قرب أنها خصصت معلما على نفقتها الخاصة
لتعليم أبناء القرية القرآن الكريم
(دوار الكواهي
عين مليلة – الشرق الجزائري-)، فعائلة تفكر بهذا التفكير لدليل قاطع على وعيها
الديني والوطني هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تعبر عن شجرة طيبة لا تثمر إلا
طيبا.
كما كان والده -سي عبد الرحمن- رحمة الله
تعالى عليه ملتزما بتعاليم دينه، وجده -سي مسعود – رحمة الله تعالى عليه كان قاضيا
يحتكم إليه الناس في قضاياهم المختلفة.
وسيرا على درب والده دخل الشهيد محمد العربي
بن مهيدي رحمه الله تعالى الكُتَّاب ليحفظ القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف،
ويتعلم اللغة العربية في سن مبكرة بزاوية الكواهي عين مليلة، وعند انتقال الوالد
إلى مدينة بسكرة – الجنوب الجزائري- ولظروف اجتماعية بالدرجة الأولى قام بضمه إلى
الكشافة الإسلامية سنة 1939م، التابعة لفوج الرجاء، وبعد عدة أشهر أسندت إليه
قيادة وحدة الأشبال المسماة " سرب عبد الحميد بن باديس ".
كما
اتفق الوالد مع الشيخ " علي مرحوم" رحمة الله تعالى عليه سنة 1942م
ليقدم دروسا في الدين والأخلاق للشهيد في المنزل، كما أدخله بعد سنة مدرسة تابعة
لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أين تعلم أصول دينه أكثر على يد الشيخ "
محمد بلعابد الجيلالي رحمة الله تعالى عليه.
لذلك انعكس هذا التكوين إيجابيا على حياة
الشهيد محمد العربي بن مهيدي رحمة الله تعالى عليه، فقد كان الرجل ملتزما ومتحليا
بأخلاق دينه، ولعل ذلك يظهر من خلال تواضعه، ومشورته، وسلوكه الحسن مع الجميع،
وأيضا من خلال محافظته على صلواته فلا يتأخر عنها أبدا، هذا إلى جانب حرصه الشديد
على قيام الليل، وصيامه لأيام التطوع بشكل دائم، حتى نحل جسمه، وطلب منه أن يرفق
بنفسه وجسده.
وكان
الرجل أيضا منضبطا في عمله، وهذا من أكثر ما يدل على صدق العبد مع ربه عز وجل، ومع
خلقه، وكان رجلا عمليا، يطبق ما يعلمه على أرض الواقع، وهي الحلقة المفقودة اليوم
عند السواد الأعظم من الناس.
وبالإضافة إلى ماسبق فقد كان الرجل محبا
للمطالعة، ويقرأ باللغتين معا العربية والفرنسية، حتى أن من آخر الصور في حياة
الشهيد – وهي موجودة في موقع البحث قوقل- عندما كان في الزنزانة كان بجانبه كتاب،
وهذا من أعظم الرسائل العملية على ضرورة التعلم لمواجهة الاحتلال الغاصب بأشكاله
المختلفة.
وعلى الرغم من التعذيب الشديد الذي تعرض له
في آخر حياته من طرف المحتل الفرنسي لدرجة كسر أسنانه، وسلخ جلده ، ونزع أظافره،
ووضع قطعة من حديد في فمه بعد أن قاموا
بتسخينها جيدا في الفرن لم ينطق بكلمة واحدة تضر الدين أو الوطن، قال الله تعالى: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا *﴾ [الأحزاب : 23، 24]، وقال النبي صلى الله
عليه وسلم : " إنَّما النَّاسُ كالإِبِلِ المِائَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ
فيها راحِلَةً".
-
وهذا هو القائد البطل العظيم الرائع الذي يعيش لقضيته،
ويموت لقضيته، إنها قضية الإسلام، ومقدساته المتعددة، ولا قضية غيرها.
·
من أقواله الشهيرة
- "ألقوا بالثورة إلى
الشارع سيحتضنها الشعب".
- "قادة الثورة هم وقودها".
- "أعطونا
طائراتكم ومدافعكم نعطكم قففنا".
- "أمرت
نفسي ألا أبوح بسر".
- "
أريد أن أُعذب حتى أتأكد أن جسدي الفاني لن يخونني".
- "ستموتون
لأنكم لم تعودوا تؤمنون بشيء.. إنكم تمثلون الماضي، ونحن نمثل المستقبل.. وإن
استشهدت فهناك الآلاف غيري سيكملون المسيرة".
- "إذا ما استشهدنا
دافعوا عن أرواحنا، نحن خلقنا من أجل أن نموت لتخلفنا أجيال أخرى تكمل
المسيرة".
·
قالوا عنه ... ومن باب - وشهد شاهد من أهلها -
- سفاح فرنسا الجنرال" بول
أوساريس " وفي عام 2001 قدم كبير سفاحي جنرالات فرنسا في الجزائر شهادته
عن الشهيد العربي بن مهيدي والتي جاء فيها: "أسابيع من التعذيب، نزعنا
أظافره.. جلده.. أجزاءً من جسده.. ولا كلمة خرجت من فمه، بل واصل تحدينا بشتمنا، والبصق
على وجوهنا قبل تنفيذ حكم الإعدام"، وتابع قائلا: "نزلت أنا وضابطي أمام
قدميه، وقدمنا له التحية الشرفية.. لن توجد امرأة في العالم كله ستنجب رجلا مثل بن
مهيدي.. ولا امرأة".
- قبل اغتياله رفع " الجنرال
بيجار " يده تحية لابن مهيدي ثم قال: «لو أن لي ثلة من أمثال العربي
بن مهيدي لغزوت العالم».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أ. د.
محمد دمان ذبيح؛ جامعة محمد العربي بن مهيدي أم البواقي -الجزائر-. عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين.