الوقت من ذهب إن لم تغنمه ذهب
بقـلم: د. أحمد الإدريسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مـقدمــة:
الحمد
لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما؛
الوقت
نعمة من نعم الله عز وجل التي ينبغي أن نحافظ عليها، وأن
نؤدي شكر الله عليها، وفي القرآن الكريم يبين سبحانه أن الزمان نعمة عظيمة منه
لعباده ومنة يمتن بها عليهم، يقول سبحانه: ﴿اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ
لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (*)
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ (*) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا
نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 32 - 34].
وأمرنا نبينا
الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن نغتنم أوقاتنا فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة،
فقال عله السلام لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (اغتنم خمسا قبل خمـس: شبابك
قبل هرمك، وصحتـك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).
أولا: الوقت عند العلماء.
كان
سلفنا الصالح رحمهم الله يحذرون من تضييع الزمان، فهم نعم المذكر والمشجع قصص
سلفنا الصالح. لأن الله تعالى جعل هذه النفس البشرية تتأثر بتأمل الأمثال من جنسنا
ما لا تتأثر بالوعظ المجرد، فعسى أن نقرأ سيرة رجل من الصالحين أو سيرة عالم من
المجاهدين فنقول لأنفسنا نوبخها ونستنهضها.
ومن هذه النماذج الذي مقتدي بها:
- قال
الحسن البصري رضي الله عنه: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب
بعضك". وقال أيضا: "أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على
دراهمكم ودنانيركم".
- قال
سيدنا عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه،
نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي). وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن
الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
- قال
ابن قيم الجوزية: (الوقت منقض بذاته، منصرم بنفسه، فمن غفل تصرمت أوقاته، وعظم
فواته، واشتدت حسراته).
- روي
أن الإمام أبا يوسف -صاحب الإمام أبي حنيفة- كان يناقش بعض عواده في مسألة فقهية،
وهو في النزع والذماء: النفس الأخير من الحياة، رجاء النفع بها لمستفيد أو
متعلم)[1].
ثانيا: وقت الإنسان هو عمره.
إن عمر
الإنسان هو وقته، هو دنياه وآخرته، فكيف يطيب لبعض الناس إضاعة أوقاتهم، وإتلافها
فيما لا ينفع، قال عبد الفتاح أبو غدة: (وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، ومادة
حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة المعيشة الضنك في العذاب الأليم. وهو يمر
أسرع من السحاب، فما كان من وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس
محسوبا من حياته وإن عاش فيه طويلا، فهو يعيش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في
الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة: فموت هذا خير
له من حياته، وإذا كان العبد وهو في الصلاة: ليس له من الصلاة إلا ما عقل منها،
فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله ولله تعالى)[2].
قال أحد
الصالحين:
والوقت
أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع!
وحذر ابن
القيم رحمه الله من عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها، وهي: ("علم لا يعمل به،
وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء، ومال لا ينفق منه فلا يستمتع به جمعه في الدنيا،
ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به، وبدن
معطل من طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب، وامتثال أوامره، ووقت معطل”.
اعتبر رحمه الله أن من أعظم هذه الإضاعات؛ إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب
من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فـــ"اجتمع الفساد
كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء،
ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته")[3].
كما حذر
السلف رحمهم الله تضييع أوقات الناس بالزيارات الطويلة، قال الفضيل بن عياض: (أعرف
من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة. ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا
شغلناك؟ فقال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم! وجاء عابد إلى السري
السقطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صرت مناخ البطالين! ثم مضى ولم يجلس. ومتى لان
المزور طمع فيه الزائر فأطال الجلوس، فلم يسلم من أذى. وقد كان جماعة قعدوا عند
معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون
القيام؟)[4].
ثالثا: حكم عن الوقت.
* الوقت
عبارة عن كنز إن ضاع منك ضاعت حياتك.
* معلم
من لا معلم له.
* تبدأ
الحياة في ثانية وتنتهي في أخرى.
* الوقت
من ذهب إن لم تدركه ذهب.
* الفرق
بين الناجح والفاشل ليس فرق في العقول، ولكن فرق في تنظيم الوقت.
خـاتمــة:
لقد حث
النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الحرص على استغلال أوقاتهم في الطاعات، لأن
عمر الشباب فيه القوة والنشاط وخفة الحركة وسرعة الإنجاز، وحذرهم من التكاسل
والتسويف حتى لا يندموا في الكبر فيقولوا في حسرة وندامة:
ألا ليت
الشباب يعود يوما ** فأخبره بما فعل المشيب.
فالعاقل
الموفق من أدرك حقيقة الوقت واستفاد منه فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، فقد وصف
عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، الدنيا، ووجوب التزود فيها للآخرة، فقال: (إن
الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها الظعن. فكم
من عامر موثق عن قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا ـ رحمكم
الله ـ منها الرحلة، بأحسن ما بحضرتكم من النقلة).
ولنـسأل
أنفسنا:
كيف
أنتقل من حالة التشتت في الوقت إلى حال الانجماع على الله؟
ما العمل
ليكون لي حظ وافر من عمل اليوم والليلة؟
كيف أشغل
أوقاتي بذكر الله تعالى، فيكفيني همومي والنفس والشيطان؟
والحمد
لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- الإمام
عبد السلام ياسين، مجلة الجماعة، العدد الخامس، ص: 51.
[2]- قيمة
الزمن عند العلماء، للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الصفحة: 26.
[3]- الفوائد،
لابن القيم، الصفحة: 112.
[4]- قيمة
الزمن عند العلماء، للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الصفحة: 59.