البحث

التفاصيل

رسالة الأمين العام للاتحاد إلى الرئيس التركي حول حصار وتجويع غزة

الرابط المختصر :

رسالة الأمين العام للاتحاد إلى الرئيس التركي حول حصار وتجويع غزة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان حفظه الله

رئيس الجمهورية التركية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

 

فإننا نخاطبكم اليوم، ونحن على يقينٍ أن قلبكم الكبير يحمل من الإيمان والإنسانية ما يعجز عنه كثيرون، فقد عُرفتم دائمًا بأنكم تنظرون إلى قضايا المستضعفين بعين الرحمة الصادقة والواجب الديني، مستشعرين قول الله تعالى: [والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون] (الشورى: 39).

لقد شهدنا مواقفكم المشرفة في نصرة المظلومين في كل مكان، ووقفاتكم الكريمة إلى جانب الشعوب المقهورة التي ألجأتها الحروب إلى المخيمات واللجوء، كما شهدنا مبادراتكم الحانية التي طوّقت قلوب الأيتام بالعطف والأمان، وسعيكم الدائم إلى إغاثة المنكوبين في شتى بقاع الأرض، حتى أصبح اسمكم رمزًا للأمل في نفوس الكثيرين.

لقد كنتم دائمًا إلى جانب المظلومين لا تنتظرون مناشدتهم، تبادرون لنجدتهم حيثما كانوا، وتسعون لرفع شيء من آلامهم، وتداوون جراحهم بما تستطيعون، فكنتم قدوة يحتذى بها، عاملين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".

وكم من مشهدٍ رأيناه لكم وأنتم تمسحون دموع يتيم، أو تربّتون على كتف أم مكلومة، أو تفتحون باب النجاة لمن أغلق عليه العالم الأبواب؛ فكان حضوركم عند هؤلاء علامة فارقة، تُعيد لهم شيئًا من كرامتهم المسلوبة، وتبقي في قلوبهم شعلة الأمل حيّة.

لهذا كلّه، فإننا نتوجه إليكم اليوم بقلوبٍ يثق بها أهل غزة كما وثق بها أهل سوريا وأفغانستان والصومال وسواهم من قبل ممن عرفوا دفء إنسانيتكم وصدق إيمانكم.

فخامة الرئيس:

أبناء غزة اليوم يواجهون كارثة إنسانية قاسية بكل ما تعنيه الكلمة، التجويع يفتك بأجسادهم الهزيلة بعد أن أحكم العدو حصاره الخانق وأغلق في وجوههم كل منافذ الحياة، الأطفال ينامون على جوع موجع، وقد أرهقهم البرد والمرض معًا، والأمهات تئن قلوبهن على صغار لا يجدون ما يسد رمقهم، والمرضى يتلوّون من الألم بلا دواء ولا رعاية.

إن ما يجري في غزة ليس مجرد حربٍ على الأرض والبيوت، بل هو قتل لأرواح الناس جميعًا، جريمة إنسانية كاملة الأركان، تجري في وضح النهار أمام مرأى ومسمع العالم كله، وسط صمت دولي مخزٍ وتخاذلٍ يثقل الضمائر الحية.

فخامة الرئيس:

لقد رأينا جميعًا كيف استهدفت آلة القتل الصهيونية مؤخرًا كنيسة اللاتين في غزة، وراح ضحيته ثلاثة من أبناء شعبنا الفلسطيني من أهلنا المسيحيين، وأصاب هذا الفعل الإجرامي الضمير الإنساني، فتحركت الوفود الغربية على الفور، واتصل الرئيس الأمريكي ترامب بنفسه، وتقاطرت الوفود الأجنبية إلى غزة لتقديم واجب العزاء والاطمئنان على أبناء شعبنا من المسيحيين هناك، بل وجدنا نتنياهو نفسه يخرج للاعتذار عن الجريمة.

فخامة الرئيس، إننا لا نقلل من حق أي بريء مظلوم أُريق دمه، مسيحيًا كان أو مسلمًا، فكلّ من استهدفه الاحتلال الصهيوني مظلوم بريء، ولكننا نتساءل بمرارة: لماذا لا نجد هذا القدر من الاهتمام عندما يُقتل عشرات الآلاف من المسلمين جوعًا وحصارًا وقصفًا، وكأن دماء المسلمين لا بواكي لها؟!

إن أهل غزة المسلمين اليوم ينظرون إليكم بثقة صادقة، أن تكونوا أنتم سندهم وعونهم، كما كنتم دائمًا، وأن تحملوا صوتهم إلى العالم الذي يصم أذنيه عن أنينهم، وأن تذكّروا هذا العالم أن في غزة بشرًا يستحقون الحياة، وكرامة إنسانية لا تقل عن كرامة سواهم.

فخامة الرئيس:

نحن على يقين أنكم ترون هذه المأساة بعين الألم والواجب معًا، وأن إنسانيتكم الصادقة وإيمانكم العميق لا يقبلا أن تترك غزة وحدها تواجه الجوع والموت، وإن أهل غزة ما زالوا يرون فيكم أملًا كبيرًا، وما زالوا يثقون أنكم بما وهبكم الله من حكمة وقوة حضور ومكانة رفيعة في المحافل الدولية، قادرون على أن تفعلوا الكثير لإنقاذهم وإيصال صوتهم إلى العالم، وأن تفتحوا الأبواب المغلقة في وجوههم، كما عهدناكم دائمًا نصيرًا للحق، وسندًا للمستضعفين.

فخامة الرئيس:

إن ثقتنا في قدراتكم الدبلوماسية وحضوركم المؤثر، وفي حرصكم على أن تبقى تركيا منارة للإنسانية، تجعلنا نناشدكم أن تكونوا اليوم صوت غزة الذي خنقوه، وأن تتحركوا بكل ما في وسعكم لإيقاف هذه المأساة الإنسانية ورفع الظلم والحصار عن شعب محاصر في لقمة عيشه ويراد له أن يفنى كلّه.

فخامة الرئيس:

إننا على يقين أن هذا المشهد يوجع قلبكم كما يوجع قلوبنا، وأن ضميركم الحيّ لا يقبل أن يستمر هذا الوضع القاسي، لذا؛ فإننا نتوجه إليكم برجاء صادق أن تبادروا بجهودكم المباركة ومساعيكم الطيبة، التي اعتدناها منكم، لإنهاء هذا الحصار الخانق وإيصال المساعدات العاجلة إلى غزة، وأن تقودوا تحركًا على مختلف المستويات من أجل فتح معبر رفح بشكل مستمر، وإنقاذ الأرواح البريئة التي تواجه خطر الموت جوعًا ومرضًا.

إن أهل غزة يثقون بكم، وينتظرون منكم هذه المبادرة الإنسانية والإيمانية، كما اعتادوا منكم دائمًا. ونحن، إذ نرفع إليكم هذا النداء باسم الدين والإنسانية والأخوة، نسأل الله أن يبارك في جهودكم، وأن يجزيكم خير الجزاء على كل ما قدمتموه ف في سبيل نصرة المظلومين، وأن يرفع ذكركم في الدنيا والآخرة.

 

الدوحة: ٢٦ محرم ١٤٤٧هـ

الموافق: 21 يوليو 2025م

 

د. علي محمد الصّلابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة


المرفقات

التالي
-لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد تصدر فتوى بشأن جريمة الإبادة الجماعية بالتجويع في غزة
السابق
مجاعة غزة.. حين يصبح التجويع سلاح إبادة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع