المخلوقات غير العاقلة سبقت العقلاء في نُصرة الضُعْفاء
بقلم: د. توفيق زبادي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
إن ما
يحدث من محاصرة وتجويع، ومنع للماء والدواء والغذاء، ومقومات حياة الأحياء، هو
امتداد لأسلوب أتباع إبليس على مَرّ التاريخ في محاربة أهل الحق والاستقامة.
الأَرَضَةُ من جنود الله ﷻ في نُصرة
المحاصرين في الشِّعب:
"حُبس
رسول الله ﷺ ومن معه في الشِّعب شعبِ أبي طالب
ليلةَ هلالِ المحرَّم سنةَ سبعٍ من البِعثة، وعُلِّقت الصحيفة في جوف الكعبة،
وبقُوا محبوسين محصورين مُضيَّقًا عليهم جدًّا مقطوعًا عنهم المِيرة- الطعام- والمادة
نحو ثلاث سنين، حتى بلغهم الجَهدُ وسُمِع أصواتُ صبيانهم بالبكاء من وراء الشِّعب.
وكانت
قريش في ذلك بين راضٍ وكاره؛ فسعى في نقض تلك الصحيفة بعضُ من كان كارهًا لها،
وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحارث بن حُبَيِّب بن نصر بن مالك، مشى في ذلك
إلى المُطعِم بن عدي وجماعةٍ من قريش؛ فأجابوه إلى ذلك، ثم أطلع الله رسولَه على أمر
صحيفتهم، وأنَّه أرسل عليها الأرضة؛ فأكلت جميعَ ما فيها من جَوْرٍ وقطيعة وظلم إلا
ذكرَ الله عز وجل"().
والأرضة: حَشَرة تأْكل الخَشَب، والحُبوب
قريبة الشَّبه بالنَّمل.
"الأَرَضَةُ" من جنود الله في إبطال معرفة الجن بالغيب:
قد ورد
ذِكْر الأَرَضَةُ في قصة
سليمان u في قوله تعالى: {فَلَمَّا
قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ
الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين} [سبأ:14].
عن ابن عباسٍ
– رضي الله عنهما - قوله: {إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ
تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ}. يقولُ: الأَرَضَةُ تَأْكُلُ عصاه().
كان سليمان-
u- يتكئ على عصاه وقتما قُبِض، وبقي على ذلك الوصف مدة، والشياطين كانوا
مسخّرين يعملون ما أمرهم به، ويتصرفون على الوجه الذي رُسِمَ لهم، وينتهون عمّا زجرهم،
فقد كانوا يتوهمّون أنه حيّ. ثم إنّ الأرضة أكلت عصاه؛ فخرّ سليمان- u -؛ فعلم
الشياطين عندئذ أنه مات؛ فرجعوا إلى أعمالهم الخبيثة، وانفكّ عنهم ما كانوا عليه من
التسخير().
وفي الآية لطيفة تستحق التدبر:
أن المَلِك،
والحاكم، والأمير، والرئيس الذي يقوم مُلكُه بغيره، ويكون استمساكه ب"عصا"
الاستبداد والقهر؛ فإنه إذا سقط؛ سقط بسقوطه، ومن "قام مُلْكُه بغيره زال بزواله".
وفي
الآية بُشرى لأهل الحق والاستقامة "أنَّ بزوال عصا الاستبداد في الدول
العربية الإسلامية، وزوال " عصا شرطي العالم "أمريكا"، سيزول مُلْك
ملوك ورؤساء وحكام كثير.. وفي التاريخ عبرةُ.
"الوشق المصري" سبق المصريين في عقر الجنود
الإسرائيليين:
ذكر
الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الوشق
الصحراوي المتسلل من مصر، والذي بات يعرف إعلاميًا باسم "الوشق المصري"
عقر عددًا من جنود الاحتلال في منطقة جبل حريف بالقرب من الحدود المصرية".
إنه جند
من جنود اللهI سَلَّطه على من غضب الله عليه من أحفاد القردة والخنازير؛ الذين
حاصروا أهل غزة العِزَّة.
وكأن الرسالة: يا مصري يا متخاذل: "سبقك الوشقُ في
النُصرة".
والرسالة الثانية: غار " الوشقُ"
على حُرُمات الله أن تنتهك وأعظمها سفك دماء الأبرياء الضعفاء؛ ألا تغار أن يسبقك القطُ؟
"الذباب المصري" سبق المصريين في إلحاق الضرر
بالإسرائيليين:
قال
تقرير لصحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية، إن سكان حي "أور
يام" الراقي الجديد في منطقة "أور عقيفا" التي تقع في مدينة حيفا
بمحاذاة مدينة قيسارية، يعيشون في قلق حاد من هجوم ذباب مصري غير مسبوق.
ووفق
الصحيفة العبرية فأن الذباب المصري بدأ يغزو مناطق واسعة في إسرائيل، وبدأ ينتقل
إلى المنازل في ظل تخوف حاد من انتقال بكتيريا خطيرة تُسبب مشاكل هضمية وتنفسية
للسكان.
وقالت
الصحيفة العبرية: إن هذا الذباب يأتي من مصادر ملوثة مثل مياه الصرف الصحي،
والعفن، والمياه الراكدة، وعندما تستقر على الطعام والشراب والملابس والفراش، تنقل
بكتيريا خطيرة مثل "الإشريكية القولونية" و "السالمونيلا"
وغيرها، والنتيجة مشاكل مثل الإسهال، والقيء، وآلام البطن، وردود فعل هضمية حادة،
بالإضافة إلى ردود فعل تنفسية مثل ضيق التنفس، وتهيج الحلق، وحكة الجلد، والطفح
الجلدي، وغيرها.
ألا تستدعي هذه الغيرة من الوشق والذباب وغيرهم النُفْرة قبل قيام
الحجة؟
الجمادات تقوم بدور الاستخبارات العسكرية في ميدان القتال:
تأمل معي
إخبار الصادق المصدوق عن كلام الجماد، من شجر، وحجر حقيقة مع المسلم وإرشاده إلى
عدوه اليهودي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
قَالَ: "لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ، فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ:
يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ، فَتَعَالَ، فَاقْتُلْهُ")().
الحجر
والشجر يقوم بدور الاستخبارات العسكرية؛ فيرشد المسلم إلى مخبأ العدو.
إنها
معجزات، وكرامات، وغيرة على الحُرُمات إن لم يقم المسلم بالنُصرة لأخل الحق
والعدل، سبقته الحيوانات، والجمادات.
فهل نسارع ونسابق وننافس في فك الحصار لتحصيل الدرجات قبل الفوات؟؟
يا أهلنا في غزة العزة:
إن ما تقومون به من تضحيات من أجل
دينكم وعقيدتكم ومقدساتكم وأرضكم، لهي من الأعمال العظيمة التي تُؤجرون عليها،
فنسأل الله أن يتقبل الشهداء، ويربط على قلوب الجرحى، وما بعد الابتلاء إلا
التمكين كما حصل مع النبي ﷺ وصحابته الكرام، فأقدار الله ماضية، وسننه جارية، فلا
تتبدل ولا تتغير، ولا تمكين إلا بعد الابتلاء والتمحيص، وستمضي سنة الله في إهلاك
الظالمين والمجرمين، ومهما كانت التحديات
والصعاب، وقدرات العدو وهمجيته، فوعد الله آتٍ ونصره قريب (بإذن الله)، إذ يقول
تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ
قَرِيب} [البقرة:214].
والحمد
لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة:
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين.