أوائل ذي الحجة، استعداد فإمداد
بقلم: زهرة سليمان أوشن
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ينعم
الله علينا بين فترة وأخرى بمواسم مباركة تضاعف فيها الأجور وتتنزل فيها الرحمات،
فيها جوائز مميزة وفرصا كبيرة، هذه المواسم الربانية تدل على كرم الله وجوده وسعة
رحمته بعباده المؤمنين، وهذه الفرص الثمينة تقبل علينا بين حين وحين فتجدد طاقاتنا
وتحفز جوانب الخير فينا لنجد أثرها في حياتنا، إشراقا وأنسا، قربا واصلاحا، مغفرة
ورحمة، أملا وعطاء.
كيف لا
وهي من مولانا الرحيم، الجواد الكريم.
وبعد
فاصل لم يطل كثيرا عن شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، والبركات والرحمات، تأتي
العشر الأوائل من شهر ذي الحجة لتعيننا على تجديد العهد مع الله تعالى وتفتح لنا
أبوابا واسعة للأجور.
هذه
الأيام المباركات المقبلات علينا فرصة ثمينة علينا اغتنامها والمبادرة بالاستفادة
من سويعاتها.
ولكي
نحصل فيها على أفضل النتائج وأغلى الجوائز علينا أن نعرف فضلها ونستعد لاستقبالها
على أحسن صورة، فالإمداد الواسع والخير الوفير من ربنا الكريم يحتاج منا إلى حرص
واستعداد، والجود على قدر المجهود والإمداد على قدر الاستعداد.
والاستعداد واغتنام هذه الأيام المباركات يقوم على أسين هما:
أ-
معرفة فضل هذه الأيام وميزتها عن غيرها من الأيام.
ب-
التطبيق وتحويل المعرفة إلى سلوك وعمل لنجمع بين العلم والعمل، وبين الإدراك
والحراك، لأنه كما قيل:(العلم بالعمل وإلا ارتحل).
وسأقف
معكم أيها الكرام في نقاط تجمع بين المعرفة والعمل لنكون من أهل الإمداد وأصحاب
الهمم العالية في هذه الأيام المباركات.
1- يقول
تعالى في كتابه الكريم: (والفجر وليال عشر) الآية 1/2 من سورة الفجر، يقسم الله
تعالى في هذه السورة الكريمة بالفجر وليال عشر، يذهب كثير من المفسر إلى أن
المقصود هي الأيام الأولى من ذي الحجة، ولا شك أن في هذا بيانا لفضل وعظمة هذه
الأيام إذ إن الله سبحانه وتعالى لا يقسم إلا بكل عظيم.
2-
ترتبط هذه الأيام العشر بركن عظيم من أركان ديننا الحنيف وعبادة مميزة من عباداته
الرائعة، هي عبادة الحج التي هي عبادات في عبادة ورحلات في رحلة، فهي عبادة روحية
وبدنية ومالية، ولها بعد فردي وأبعاد جماعية تمتد على مستوى الأمة، وهي رحلات في
رحلة فيها ينتقل الحاج فيها إلى أطهر البقاع ليسير على خطى آل إبراهيم وعلى درب
سيد المرسلين ، يقول الله ن تعالى في كتابه الكريم: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا
وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ (27) لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ
ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا
رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ
ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ (28) ثُمَّ
لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ
ٱلۡعَتِيقِ (29) ) الحج 28/ 29 ،ليعش الجاج
أياما من العبادات المتنوعة إحراما وتلبية، سعيا وطوافا، ذكرا وخشوعا، رميا
ووقوفا، ويقضي أياما في مكة والمدينة حيث تجليات الحبيب صلى الله عليه وسلم وصحبه
الأطهار ليعود بعد هذا إلى وطنه بسعي مشكور وذنب مغفو فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة كما ورد عن نبينا صلى
الله عليه وسلم، وفي الحديث عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه.
3- ولأن
فضل الله واسع فإن بركة وعظمة هذه الأيام تتجاوز تلك الأماكن المقدسة، فمن لم
يستطع أن يكون حاجا إلى بيت الله الحرام فلن يحرم أجر هذه الأيام فله سعة في
عبادات أخرى، إذ يمكن للمسلم أن يغتنمها بالصيام والقيام والذكر والقرآن والصدقات
والإحسان والميدان فسيح والعبادات متنوعة مزهرة، في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي
الله عنهما، يقول صلى الله عليه وسلم عن هذه الأيام: (ما من أيام العمل الصالح
فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا
الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الترمذي،
ومن خلال هذه الحديث يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على فضل هذه الأيام وأنها أحب
الأيام إلى الله تعالى قلا تعدلها أيام أخرى، وأن العمل الصالح فيها لا يتساوى مع
العمل الصالح في غيرها من الأيام، لذا قال العلماء إن أفضل أيام العام هي العشر
الأوائل من ذي الحجة وإن أفضل الليالي هي الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان
الكريم، ولفظ العمل الصالح الوارد في الحديث يوحي بالعموم، فالعمل الصالح هو كل ما
يرضاه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا الاتساع في المعنى
يجد فيه المسلم فسحة للاغتراف من الصالحات وتنويع العبادات في تلك الأيام
المباركات، ويسعى لترتيب أحواله قبل قدوم هذه الأيام ولا يسوف ويتبع هواه فيفوته
فضلها الكبير.
4- وفي
هذه الأيام العظيمة يوم عظيم هو أفضل أيام العام، إنه اليوم التاسع من ذي الحجة،
يوم عرفة، حيث يقف الحجيج على صعيد عرفة ليؤدوا الركن الأعظم في الحج، ملبيين
مبتهلين، ذاكرين خاشعين، ويسن للمسلم غير الحاج صيام هذا اليوم، كما أن عليه أن لا
يفرط فيه في سويعاته ويعمرها بالصلاة والصدقات والذكر والدعاء، يقول النبي صلى
الله عله وسلم: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يغفر السنة التي قبله والسنة
التي تليه) رواه مسلم ، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة).
5-
وختام الأيام المباركات هو يوم العاشر من ذي الحجة وفيه عبادة عظيمة هي عبادة
النحر، فهو يوم النحر ويوم العيد، عيد الأضحى المبارك، وما فيه من تجليات إيمانية
وتربوية لا تخفى عن أولي الألباب من معاني الانقياد والطاعة، الصبر والإحسان، التي
تمتد عميقا للاتصال بنبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل وحادثة الأمر بذبحه واستجابة
النبيين الكريمين لأوامر الله، ليقدما دروسا في البر والصبر، ولعبادة الحج ارتباط
كبير مع آل إبراهيم لعل أبرز مفرداته: (الكعبة، زمزم، الطواف، السعي ، رمي الجمار،
الأضحية)، فعلى المسلم وهو يؤدي نسكه في عيد الأضحى المبارك أن يسير على درب آل
سيدنا إبراهيم ودرب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون من المسارعين في الصالحات
المستعدين لمواسم الخيرات ليكون أهلا لاغتنام جوائزها ونيل بركاتها والحصول على
ميزاتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.