البحث

التفاصيل

دلالات الانتخابات البلدية اللبنانية لدى الطائفة السنية، والدور المنتظر من الأحباش

الرابط المختصر :

دلالات الانتخابات البلدية اللبنانية لدى الطائفة السنية، والدور المنتظر من الأحباش

كتبه: حسام الدين عمر

 

لبنان بلد غريب بتركيبته السُّكّانية وانتخاباته المتعدّدة، وتُعتبر الانتخابات البلدية إحدى المحطّات المهمّة التي تمهّد للانتخابات النيابية، إذ يعمل كل طرف على عرض عضلاته واختبار قوّة شعبيّته ومدى فعاليّة ماكيناته الانتخابية.

وتُعتبر الانتخابات البلدية ومعها الاختيارية إنتخابات غير طائفية، بحيث يُعبّر المواطنون عن خياراتهم دون خضوع للقيود الطائفية التي تُكبّل أجهزة الدولة والحكومة والوزراء والنواب والوزارات والإدارات والجيش والقوى الأمنية. وإن كانت الأعراف المُتبعة في كل بلدة أو مدينة تحاول أن تُمثّل كل الشرائع الطائفية فيها.

تسع سنوات مرّت على آخر انتخابات حيث كان يُفترض أن تجري كل ست سنوات، لكن الظروف المحيطة والداخلية فرضت تأجيلها عدّة مرّات حتى مُدّدت ثلاث سنوات أخرى.

وتُعتبر البلديات في لبنان من أوائل بلديات العالم العربي، حيث تأسّست بلديات كل من بيروت وطرابلس وصيدا وصور وبعلبك عام 1887 خلال الحكم العثماني، وهي تكون بذلك بلديات قديمة جدًا، لكنه ومع قدوم الاحتلال الفرنسي للبنان، تم تأسيس بلديات كثيرة لتستقل كل قرية أو مدينة ببلدية خاصّة، فبلغ عدد البلديات في لبنان 1200 بلدية، وهو رقم كبير على بلد لا يتجاوز عدد سكانه 6 ملايين نسمة مقارنة بالدول المحيطة:

* تركيا 1399 بلدية لـ 85 مليون نسمة

* مصر 270 بلدية لـ 104 ملايين نسمة

* العراق 400 بلدية لـ 44 مليون نسمة

* الأردن 100 بلدية لـ 11 مليون نسمة

وإنما كان هدف فرنسا من إنشاء تلك البلديات الحفاظ على المجتمع المسيحي وعدم ذوبانه في المسلم، وإبقاء خصوصيّات كل بلدة داخلها من خلال إعطاء كل بلدة بلدية خاصة بها.

انتخابات 2025

جرت الانتخابات البلدية في لبنان هذه السنة وكالعادة على عدّة مراحل وخلال شهر كامل، إذ لا يملك لبنان القدرة اللوجستية على إجرائها في كل لبنان دفعة واحدة، فجرت أولًا في جبل لبنان، وبعد أسبوع في محافظتي عكار والشمال، وبعد أسبوع آخر في بيروت والبقاع، وبعد أسبوع في محافظتي الجنوب والنبطية.

السُّنّة في الانتخابات البلدية

معلوم أن التيار السُّنّي الرئيسي في لبنان أي تيار المستقبل متوقّف عن العمل السياسي ولا يُشارك بأيّة انتخابات منذ قرار رئيسه سعد الحريري تجميد عمله السياسي منذ سنوات، ويُقال إنّ ذلك كان بضغط سعودي وإماراتي لأنه -أي الحريري- لم يُحسن التجاوب معهم وتلبية مطالبهم، ويُقال غير ذلك.

وعند غياب تيار المستقبل هذا، فإنّه لا بد أن ننظر إلى التيارات التي تحظى بالمكانة الثانية والثالثة عند سُنّة لبنان، مهما كان الفرق كبيرًا من الناحية الانتخابية بينهم.

والواضح أن معظم القيادات السُّنّية التي برزت بعد انكفاء الحريري واعتزاله كانت قيادات مناطقيّة لا ترقى لتشكّل حزبًا أو تيارًا على مستوى السُّنّة في كل لبنان، باستثناء حالة واحدة هي تيار الإخوان المسلمين والمُسمّى بالجماعة الإسلامية، الذي يملك حيثية في معظم مناطق السُّنّة، وإن كانت ليست بقوّة تيار المستقبل، إلا أن تياراً ثالثاً بدأ يبرز ويملك حيثية أخرى لدى الشارع السني ويسمى بالأحباش.

يحظى تيار الجماعة الإسلامية في لبنان بخصائص تجعله متوازنًا في طروحاته اللبنانية، فهو كان من حلفاء تيار المستقبل على مرّ فترات عمله، كما أنه ناصر الثورة السورية بقوّة وقطع علاقاته بحزب الله خلالها، وفي نفس الوقت شارك في إسناد غزّة وقاتل من المناطق السُّنّية الجنوبية ضدّ العدو الإسرائيلي حيث كان يقاتل حزب الله واتُّهم من قبل البعض أنه بذلك يكون قد تحالف مع الحزب، وقد تم استهداف قياداته بشكل واسع خلال هذه الحرب وإن كان ليس بالمستوى الذي استهدف فيه حزب الله، كما يتداخل جمهوره بشكل واسع مع جمهور حركة حماس في لبنان، وذلك في مناطق وجود المخيّمات الفلسطينية، ويُعتبر غطاءً لها بطريقة أو بأخرى.

الأحباش

تيار ثالث إنتشر في بعض مناطق السنة، وإن كان بدرجة أقل من الجماعة، ولكنه أثبت وجوده في بيروت وطرابلس تحديداً أكبر مدينتيْن سنيتين، وتفوّق فيهما على الجماعة، وتمكّن من تحصيل نائبين له في آخر انتخابات نيابية. ويُطلق عليه اسم الأحباش نسبة إلى مؤسّسهم، وهو شيخ من الحبشة، بينما الاسم الرسمي لهم هو "جمعية المشاريع الإسلامية".

هذا التيار كان يتبنّى سياسة التحالف التام مع النظام السوري السابق، ولطالما دعمه ذلك النظام أثناء وجوده في لبنان، وكان سببًا في تقويته وانتشاره وإغداق الأموال عليه وبناء المؤسسات، حيث احتلّ بفضل النظام السوري عددًا من المساجد والمراكز الإسلامية، وتمّ تعيين عناصر منه في مواقع مهمّة داخل الدولة اللبنانية.

وعند خروج الجيش السوري من لبنان، كان حزب الله حليف الأحباش الاستراتيجي، وخاصة في الانتخابات حيث تتطابق الأفكار السياسية للطرفيْن، باستثناء مسألة واحدة وهي قضية فلسطين، التي لا تعنيهم، خاصة وأنّ الأحباش يعتبرون حركة حماس حركة كافرة وغير مسلمة، استصحابًا لتكفيرهم حركة الإخوان المسلمين.

وكذلك معروف عنهم عداؤهم الشديد للتيارات السلفية، وتكفيرهم المطلق لابن تيمية، وابن باز، ومحمد بن عبد الوهاب، وغيرهم من قادة التيار السلفي في العالم.

التطوّر في موضوع الأحباش

امتدّت علاقة الأحباش سريعًا بدولة الإمارات، وباتت أحد أهم الداعمين لهم، ثم حصل لقاء تاريخي ولأول مرة بين رئيس الأحباش والسفير السعودي في لبنان، وذلك قبل انطلاق الانتخابات النيابية.

وتحدّثت معلومات أن الإمارات والسعودية ومصر يعملون على أن يكون الأحباش البديل الطبيعي لتيار المستقبل، وذلك لمواجهة أي تمدّد محتمل للجماعة الإسلامية لملء الفراغ الذي تركه اعتكاف الحريري وتياره.

وبالفعل لوحِظت حركة نشطة للأحباش وترشيح للانتخابات في عدد من مناطق لبنان، مع بَذخ ماليٍّ سخي وواضح في مستلزمات الانتخابات، والحملات الإعلانية وغيرها.. وهو ما يشير إلى حصولهم على دعم مالي غير محدود.

لكنّ التطور المهم الذي طرأ في موضوع الأحباش أنّهم كانوا في السابق معزولين إلى حدّ كبير في التحالفات الانتخابية داخل الطائفة السُّنّية، بينما كانت جل تحالفاتهم مع حزب الله ومع بعض الأطراف المسيحية. أمّا هذه الانتخابات فبات من الواضح أن الوضع تغير وبات التحالف مع الأحباش واقعاً من معظم مكونات أحزاب لبنان.

كلمة السر لتحالف زعامات سُنّية مع الأحباش

والذي يبدو واضحًا أن "كلمة سر" قد أُعطيت لقوى سُنّية محليّة عديدة بضرورة التحالف مع الأحباش، وتفويت الفرصة على تحالف الجماعة الإسلامية مع أي طرف سُنّي فاعل.

فكانت المفاجأة بتحالف معظم الفعاليات السُّنّية في طرابلس معهم، وكذلك في مدينة الميناء قرب طرابلس، والأمر جرى في بيروت على حساب الجماعة أيضًا، حيث أُخرجت من اللائحة التي يجتمع عليها الأحزاب في بيروت، وهو عُرف سائد منذ تولّي الرئيس رفيق الحريري الحكومة، بحيث تجتمع الأحزاب كلها في لائحة واحدة مراعاةً لفوز المسيحيين في بيروت مناصفةً مع المسلمين.

فأُخرجت الجماعة من هذا التوافق، ودخل الأحباش مكانها، والأمر انسحب على اللوائح الاختيارية القوية مثل منطقة المزرعة، حيث تم إدخال الأحباش إلى تلك اللوائح. وتم ترشيح أحباش في كثير من البلدات والقرى السُّنّية في مختلف مناطق لبنان.

في الوقت عينه صرح عدد من مشكلي اللوائح والمرجعيات في هذه الانتخابات أن تعليمات أتت إليهم من أطراف خارجية وداخلية تحذرهم من أي تحالف مع الجماعة الإسلامية وتحثهم على التحالف مع الأحباش.

انتخابات جبل لبنان واكتساح الجماعة لها في مناطق السُّنّة

جرت الانتخابات الأولى في محافظة جبل لبنان، وفيه منطقة واحدة ذات أغلبيّة سُنّية تُسمّى إقليم الخروب، وتشكّل جزءًا من قضاء الشوف.

وكانت المفاجأة في اكتساح الجماعة ومن تحالفت معهم من العائلات لوائح بلدية البلدات الأكبر فيه، مثل شحيم وبرجا وكترمايا... الأمر الذي جعل بعض الأقلام اللبنانية المعروفة بانتمائها للإمارات، تشنّ هجومًا كبيرًا على الجماعة والمطالبة بعزلها ومواجهتها. ولم يتمكن الأحباش من إيجاد موطئ قدم لهم في هذه المنطقة، وكان ذلك مقدمة لسلسلة معرفة أحجام كل طرف.

انتخابات الشمال

بعد أسبوع، جرت انتخابات الشمال وطرابلس، وتمكّن الأحباش بتحالفهم مع معظم نواب المدينة (أشرف ريفي والميقاتي وفيصل كرامي والقوات اللبنانية المسيحية) من تحصيل مقاعد في بلدية طرابلس والميناء، في حين خسرت اللائحة المدعومة من الجماعة، ولم تحصل إلا على مقعد واحد، والأمر شبيه له في الانتخابات الاختيارية. ويرى البعض أن سبب عدم تحالف الجماعة مع اللوائح الأخرى كان بطلب خارجي مما أفشل تلك اللوائح واللائحة التي دعمتها الجماعة.

أمّا في القرى، فقد كان الأمر مختلفًا، حيث تمكّنت الجماعة من تثبيت وجودها في الضنية وعكار بشكل كبير، مع خسارة بعض المواقع المهمّة، ولكن لصالح منافسين محلّيين غير سياسيين مثل بلدات البدّاوي، والبدنين، وبُطرماز. بينما لم يتمكن الأحباش من الفوز بشيء مهم في معظم الأرياف حول طرابلس.

انتخابات بيروت

في بيروت، حصل تجمّع خارق للعادة، تحالف فيهالأضداد والمتحاربون وأصحاب التوجّهات المتضاربة، وتم جمع جميع أحزاب لبنان في لائحة واحدة، باستثناء الجماعة الإسلامية وتيار المستقبل العازف عن الانتخابات أصلًا.

وقد جمعت اللائحة كلاً من حزب القوات اللبنانية والكتائب، مع أعدائهم الدائمين، أي التيار الوطني الحر (جماعة الرئيس السابق ميشال فرعون) وحزب الله وحركة أمل الشيعيّتيْن.

كما جمعت الأحزاب الأرمنية (الطاشناق والهنشاك) ولهم قوّة مهمّة في بيروت، وكذلك الحزب التقدّمي الاشتراكي الذي يمثّل الدروز، ومطرانية الروم الأرثوذكس، أكبر مكوّن مسيحي في بيروت. ونائب بيروت للروم الكاثوليك ميشال فرعون.

أما من الطائفة السُّنّية، فقط جمعت تلك اللائحة الأحباش مع نائب بيروت المستقل فؤاد مخزومي، الذي يعمل على تقديم نفسه كقائد لبيروت وبديل عن الحريري، إضافة إلى بعض أنصار تيار المستقبل السابقيْن، كالسيد أحمد هاشمية. مما يعني أنها شملت الجميع حزبياً وطائفياً.

تُعتبر هذه اللائحة لائحة خيالية وهي بالتالي غير خاضعة للكسر والاختراق، نظرًا لوجود جميع الأحزاب والفعاليات فيها، والتي لديها أصواتها الانتخابية المعروفة والتي تصب في صناديق الاقتراع صبّة واحدة، فيما يُسمّى في لبنان "بلوكات"، لأنها تنزل في الصندوق وفق قرار الحزب أو الزعيم، دون تشطيب أو تعديل.

انتفاضة أهل بيروت

لم يبقَ خارج اللائحة إلا الجماعة الإسلامية، التي يُمثّلها في بيروت النائب عماد الحوت، والنائب المستقل نبيل بدر المتحالف مع ما كان سابقًا محسوبًا على تيار المستقبل.

فتم تشكيل لائحة مواجهة للائحة الأحزاب منهما، وترأّسها أحد رموز تيار المستقبل السابقين، العميد محمود الجمل تلك اللائحة.

جرت الانتخابات، وفق توقّعات اكتساح لائحة الأحزاب دون أي إمكانية للخرق، وبفارق كبير لكن المفاجأة كانت أن أهل بيروت انتفضوا وصوّتوا بشكل كبير لهذه اللائحة، حيث حصلت لائحتهم على 75٪ من الأصوات السُّنّية، بينما معظم الأصوات المسيحية والشيعية والدرزية صبّت في لائحة الأحزاب.

نافست لائحة العائلات والجماعة المسماة "بيروت بتحبك"، لائحة الأحزاب المسماة "بيروت بتجمعنا" بشكل مفاجئ، وتمكّنت من خرقها بشخص رئيسها محمود الجمل، وفازت لائحة الأحزاب عليها بفوارق ضئيلة.

لقد كانت انتفاضة بيروت رسالة قويّة للداخل والخارج، بأنّه لا يمكن تجاوز إرادة شعب البلد، وفرض قرارات خارجية عليه ووَصايات مختلفة.

كما أكّدت أن أهل بيروت السُّنّة، بتحالفهم مع الجماعة الإسلامية وبعض قيادات تيار المستقبل المُنحل، قادرون على المواجهة والانتصار، وهذه رسالة قويّة للانتخابات النيابية القادمة التي ستُجرى بعد سنة.

انتخابات البقاع

في نفس الوقت، جرت إنتخابات البقاع، وأثبتت الجماعة الإسلامية حضورها القوي واكتساحها مع العائلات معظم البلدات السُّنّية، وضمور الأحباش وعدم تمكنهم من إيصال أعداد مهمة إلى المواقع البلدية والاختيارية، فتمّ اكتساح بلديات أهم البلدات البقاعية من لوائح تتحالف معها الجماعة، مثل الرفيد وكامد اللوز وبرالياس وغيرها، ولم يظهر للأحباش أثر مهم في هذه المناطق.

انتخابات الجنوب

وآخر انتخابات جرت كانت لمحافظتي الجنوب والنبطية وهما محافظتان يتمتعان بأغلبية شيعيّة، باستثناء عاصمة الجنوب مدينة صيدا وبعض القرى الحدودية.

وخاضت مدينة صيدا معركة معركة تحديد أحجام حيثُ تنافست فيها لوائح عديدة كلُّ واحدةٍ منها مدعومة من جهةٍ سياسيّةٍ في البلد، فكانت لوائح مدعومة من أُسامة سعد نائب صيدا الناصري وحليفه حزب الله، ولائحة مدعومة من نائب صيدا الثاني عبد الرحمن البزري، وثالثة من النائبة السابقة بهيّة الحريري أُخت رفيق الحريري، ورابعة مدعومة من الجماعة الإسلاميّة.

وفي حين حصلت لائحة بهيّة الحريري على حوالي ٨٠٠٠ صوتًا، حصلت لائحة أُسامة سعد على حوالي ٧٠٠٠ صوتًا، بينما حصلت لائحة الجماعة على حوالي ٤٠٠٠ صوتًا، وتمكّنت الجماعة من إيصال خمسة أعضاء إلى البلديّة من أصل ٢١ عضوًا دعمتهم في لوائح أُخرى، وأفرزت تلك الانتخابات أنّ الجماعة تُمثّل رُبع أصوات أهل المدينة.

في حين اكتسحت الجماعة بلديّات القرى الجنوبيّة السُّنيّة الكُبرى خاصّة الهباريّة والظهيرة وكفر شوبا إلى حدٍّ ما، بينما فازت عائلات وزعامات محليّة في بلديّة شبعا.

أمّا الأحباش فلم يكن لهم أيّ ظهور في تلك المناطق والقرى.

المدلولات

نستطيع أن نستنتج بعض المدلولات في هذه النتائج:

1) وجود الجماعة الإسلامية راسخ في معظم القرى والبلدات السُّنّية في كل لبنان، وعدم تمكّن الأحباش من إيجاد موطئ قدم قوي في معظمها. إلا في مدينة بيروت ومدينة طرابلس.

2) نجاح الأحباش في بيروت وطرابلس بفضل التحالفات، رغم وجود قاعدة ناخبة لهم، لكنها لا تُخوّلهم الربح منفردين، ومعظم الأصوات التي حصلوا عليها كانت من خارج السُّنّة (حصلوا في بيروت مثلًا على 15 ألف صوت سُنّي و30 ألف صوت من غير السُّنّة).

3) وجود قرار عالِ المستوى ومن خارج لبنان بتعويم الأحباش بدل تيار المستقبل ومحاصرة الجماعة الإسلامية، تجلّى في منع التحالف مع الجماعة من قِبَلْ معظم القوى السياسية، وقد بلغ بعض رؤساء اللوائح قيادة الجماعة أنه ممنوع عليهم التحالف معها بطلب من سفارات عربية.

4) تقبّل العائلات السُّنّية في المدن والبلدات لوجود الجماعة الإسلامية في اللوائح، ولفظها للأحباش إلا بحالات قليلة، رغم كل الاتهامات للإخوان في العالم وشيطنة دورهم وأعمالهم.

5) أكّدت الجماعة أنّها رقم صعب في أيّة انتخابات قادمة، لذلك يخشى من بدء التخطيط بشكل قوي لاستبعادها لاحقًا، والبدء من الآن بشيطنتها ومحاربتها وتلميع صورة الأحباش أكثر فأكثر.

6) لا نستطيع أن ننكر فضل نجاح الثورة في سوريا على الدعم المعنوي لسُنّة لبنان، وخاصة سُنّة بيروت، الذين تجرّؤوا لأوّل مرة على مواجهة اللوائح التي كانت تُفرض فرضًا عليهم وأيضاً للجماعة الإسلامية التي ناصرت الثورة السورية ولاتزال. وشكّل موضوع الارتباط العضوي المعروف لجماعة الأحباش بنظام بشار الأسد، والدعم السياسي والأمني والمالي الذي كانوا يحصلون عليه منه، شكّل عاملًا مهمًّا في انكفاء الشارع السُّنّي عن التصويت للأحباش، فضلًا عن تحالفهم المباشر مع حزب الله.

7) مدلول آخر مهم يستقرأ من انتخابات بيروت، حيث خسرت لائحة "بيروت مدينتي"، التي تُمثّل القوى العلمانية غير الحزبية والطبقات المتغرّبة من كل الطوائف في بيروت، أي المتأثّرة بالحضارة الغربية والمعادية للأديان، وهي التي تطرح استبدال الزواج الشرعي بالزواج المدني، وإباحة المثلية الجنسية، وإبعاد المحاكم الشرعية والدينية، وعزل الدين عن أي منحى من مناحي الحياة.

وكانت تلك القوى قد حصلت على عدد من نواب بيروت في الانتخابات النيابية الماضية، خاصة بين أهل السُّنّة، وشكّل هؤلاء النواب وأنصارهم لائحة ثالثة للانتخابات البلدية في بيروت، وأكّدوا أنها ستكتسح انتخابات بيروت، لتصدر النتائج بحصولها على أقل من عشرة آلاف صوت، أقل من نصفهم من السُّنّة، في رسالة واضحة أن بيروت قد لفظت هؤلاء، وقرّرت معاقبتهم على وعودهم الكثيرة بخدمة بيروت إذا وصلوا إلى النيابة، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا مهمًّا، سوى التصويب الدائم على الدين والزواج، ودعم الحرية الجنسية وما شابه.

أخيرًا...

لقد كانت الانتخابات البلديّة بروفا وتجربة عمليّة للانتخابات النيابيّة القادمة، أظهرت تقدُّم الجماعة الإسلاميّة كبديل طبيعي لتيّار المستقبل المُنكفئ، كما أظهرت أنّ الأحباش مجموعة يصعب تعويمها أو تسويقها في الشارع السُّنّي ولن تحظى إلّا بأصواتها الخاصّة التي لا تُخوّلها المنافسة إلّا في مدينة بيروت ومدينة طرابلس، كما أنّ تأثيرها في القرى والبلدات السُّنّيّة يكاد يكون مُنعدمًا.

وعليه، فإنّ من فكّر بتعويم الأحباش بدأ اليوم يُفكّر في قراره السابق تجميد عمل تيّار المستقبل، وربّما سيُضطرّ إلى السماح لهذا التيّار بالعودة إلى الحياة السياسيّة في لبنان لقطع الطريق على الجماعة الإسلاميّة، وربّما بإلزامه التحالف مع الأحباش أيضًا لاستمرار عمليّة تعويمهم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. 


: الأوسمة


المرفقات

التالي
احتجاجات طلابية في السنغال تجبر سفير الاحتلال على مغادرة جامعة دكار
السابق
خمسة وأربعون استنباطًا من حديث العشر

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع