الركن الخامس في الإسلام:
(المفهوم،
الفضائل، الأحكام، وصفة حج النبي)
بقلم: د. إسماعيل صديق عثمان
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحج في اللغة هو: القصدُ
إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة.
والحج شرعاً: القصد لبيت اللَّه تعالى بصفةٍ
مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ. وهو التعبد لله U بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول اللَّه r.
وفي
حديث أبي هريرة t قال: قال رسول اللَّه r:(من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه)، والحج
المبرور من أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل اللَّه؛ لحديث أبي هريرة t قال: سُئِلَ النبي r: أي الأعمال أفضل؟قال: إيمان باللَّه ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال:
جهاد في سبيل اللَّه. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)، والحاج يعطيه اللَّه ما سأله؛
ففي حديث ابن عمررضي اللَّه عنهما عن النبي r قال:(الغازي في سبيل اللَّه، والحاج، والمعتمر، وفد اللَّه. دعاهم
فأجابوا، وسألوه فأعطاهم)،
واللَّه
سبحانه وتعالى يباهي بالحجاج في يوم عرفة الملائكة؛ يقول رسول اللَّه r :(ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم
عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟. كما أن خير
الدعاء دعاء الحجاج يوم عرفة؛ لحديث النبي r قال:(خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من
قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء
قدير). والصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ فقد ورد عن رسول
اللَّه r أنه قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد
الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)، ومن فضائل الحج
أن الله يغفر لأهل عرفات، وأهل المشعر؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك t
قال: وقف النبي r
بعرفات، وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال:(يا بلال، أنصت لي الناس)، فقام بلال فقال:
أنصتوا لرسول اللَّه r
، فأنصت الناس فقال: معشر الناس، أتاني جبريل u
آنفاً، فأقرأني من ربِّي السلام، وقال: إن اللَّه U
غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التَّبعات، فقام عمر بن الخطاب t
فقال: يا رسول اللَّه! هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم
القيامة، فقال عمر بن الخطاب t:
كَثُرَ خيرُ اللَّه وطاب). وفضائل الحج كثيرة لا تحصى في مقال واحد وحسبنا أن ننبه
إلى أنها لا تحصل إلا لمن أخلص عمله لله، وأدَّى حجه على هدي رسول اللَّه r،
فهذان شرطان لابد منهما في قبول كل قول وعمل، ويكفينا من منافع الحج أنه سبب لدخول
الجنة والنجاة من النار وهذه من أعظم منافع الحج؛ لقوله r: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس جزاء
إلا الجنة).
حكم الحج ومنزلته في الإسلام وشروطه:
الأصل
في وجوب الحج الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما
من الكتاب: يقول اللَّه تعالى: ]وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَـمِينَ[ وحرف عَلى: يدلُّ على الإيجاب. أما السنة فقد ورد عن نبينا الكريم
في حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه r: (بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً
رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).
وأما
الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة.
فالحج
أحد الأركان والدعائم العظام التي يقوم عليها الإسلام، فمن تركه بعد الاستطاعة
متعمداً بدون عذر، فقد ترك ركناً عظيماً من أركان الإسلام، ولا يتمُّ إسلامه إلا
بأداء هذه الفريضة العظيمة؛ فهو الركن الخامس من أركان الإسلام.
ولعظم
منزلة الحج في الإسلام فأن من تركه متعمداً جاحداً لوجوبه يعتبر كافر باللَّه
تعالى، لقوله تعالى:]وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَـمِينَ[.
وشروط وجوب الحج تتمثل في خمسة شروط هي:
الشرط
الأول: الإسلام؛ لقوله تعالى: ]إِنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْـمَسْجِدَ
الْـحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا [؛ ولأنه لا يصح منهم ذلك، ومحال أن يجب ما لا يصح؛ وكذلك لحديث أبي
هريرة t
قال:(بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول اللَّه r قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: أن لا يحج بعد
العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.
أما
الشرط الثاني فهو: العقل، فلا حج على مجنون كسائر العبادات
إلا أن يفيق؛ لحديث علي بن أبي طالب t عن النبي r قال: (رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى
يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم).
والشرط
الثالث: البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي حتى يحتلم؛ للحديث
الذي سبق، ولكن لو حج الصبي صح حجه ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي
اللَّه عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي r صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم ولك أجر).
والشرط
الرابع: كمال الحرية، فلا يجب الحج على المملوك،ولكنه
لو حج فحجه صحيح ولا يجزئه عن حجة الإسلام؛ لقوله r في حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما:(...وأيما عبد حج ثم عتق فعليه
حجة أخرى).
والشرط
الخامس والأخير: الاستطاعة؛ لقول اللَّه تعالى: ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً [. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه:
(الحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً بنصِّ القرآن والسنة المستفيضة، وإجماع
المسلمين) وهناك شرط خاص بالمرأة: وهو وجود المحرم؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه
عنهما، أنه سمع النبي r يقول: (لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر
المرأة إلا مع ذي محرم)، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه إن امرأتي خرجت حاجّة،
وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: (انطلق فحج مع امرأتك ).
فمن
كملت له الشروط المذكورة آنفا في وجوب الحج، وجب عليه أن يحج على الفور ولم يجز له
تأخيره، ويأثم إن أخَّره بلا عُذرٍ؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال:
قال رسول اللَّه r تعجلوا إلى الحج – يعني
الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له).
صفة حج النبي r بإيجاز:
في الحديث الطويل عن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن
أبيه. قال: دَخَلْنَا على جَابِرِ بن عبد اللَّه ... مكث رَسُولَ
اللَّه r تِسْعَ سِنِينَ لم يَحُجَّ. ثُمَّ أَذَّنَ في
الناس في الْعَاشِرَةِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّه r حَاجٌّ. فَقَدِمَ المدِينَة بَشَرٌ كَثِيرٌ. كلهم يَلْتَمِسُ أَنْ
يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّه r. وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ. فَخَرَجْنَا معه، حتى أَتَيْنَا ذَا
الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بن أبي بَكْرٍ،
فَأَرْسَلَتْ إلى رسول اللَّه r: كَيْفَ أَصْنَعُ قال: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ
وَأَحْرِمِي، فَصَلَّى رسول اللَّه r في الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ - ناقته - حتى إذا
اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ على الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بين
يَدَيْهِ. من رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلك، وَعَنْ يَسَارِهِ
مِثْلَ ذلك، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلك، وَرَسُولُ اللَّه r بين أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وهو يَعْرِفُ
تَأْوِيلَهُ، وما عَمِلَ بِهِ من شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ
- لبيك لا شريك لك - لَبَّيْكَ، إِنَّ الحمْدَ وَالنِّعْمَةَ لك وَالملْكَ، لَا
شَرِيكَ لك). وَأَهَلَّ الناس بهذا الذي يُهِلُّونَ بِهِ، فلم يَرُدَّ رسول اللَّه
r عليهم شَيئاً منه. وَلَزِمَ رسول اللَّه r تَلْبِيَتَهُ قال جَابِرٌ t: لَسْنَا نَنْوِي إلا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حتى
إذا أَتَيْنَا الْبَيْتَ معه اسْتَلَمَ الرُّكْنَ - الحجر الأسود- فَرَمَلَ ثَلَاثًا – إسراع المشي - وَمَشَى
أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبراهيمu فَقَرَأَ: ]وَاتَّخِذُوا من مَقَامِ إبراهيم مُصَلًّى [ فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْبَيْتِ، كان يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هو اللَّه أَحَدٌ، وَقُلْ يا
أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ
من الْبَابِ إلى الصَّفَا. فلما دَنَا من الصَّفَا قَرَأَ: ]إِنَّ الصَّفَا والْـمَرْوَةَ من شَعَائِرِ اللَّهِ [ (أَبْدَأُ
بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه حتى رَأَى
الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّه، وَكَبَّرَهُ، وقال: (لَا
إِلَهَ إلا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، له الملكُ وَلَهُ الحمْدُ وهو على كل
شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إلا اللَّه وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ
عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) ثُمَّ دَعَا بين ذلك قال مِثْلَ هذا
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ نَزَلَ إلى الْمَرْوَةِ حتى إذا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في
بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حتى إذا صَعِدَتَا مَشَى، حتى أتى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ
على الْمَرْوَةِ كما فَعَلَ على الصَّفَا، حتى إذا كان آخِرُ طَوَافِهِ على
الْـمَرْوَةِ فقال: ( لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لم
أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كان مِنْكُمْ ليس معه هَدْيٌ
فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً). فَقَامَ سُرَاقَةُ بن مَالِكِ بن جُعْشُمٍ
فقال: يا رَسُولَ اللَّه أَلِعَامِنَا هذا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رسول اللَّه r أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الْأُخْرَى وقال: (دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ
في الْحَجِّ) مَرَّتَيْنِ (لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ) وَقَدِمَ عَلِيٌّ من
الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبي r،فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي اللَّه عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ
ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذلك عليها، فقالت: إِنَّ أبي
أَمَرَنِي بهذا، قال: فَكَانَ عَلِيٌّ يقول بِالْعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلى رسول
اللَّه r
مُحَرِّشًا على فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّه r فِيمَا ذَكَرَتْ عنه فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلك عليها،
فقال: (صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حين فَرَضْتَ الْحَجَّ؟) قال قلت:
اللَّهم إني أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قال: (فإن مَعِيَ الْـهَدْيَ
فلا تَحِلُّ) قال: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الذي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ من
الْيَمَنِ وَالَّذِي أتى بِهِ النبي r مِائَةً قال: فَحَلَّ الناس كلهم وَقَصَّرُوا، إلا النبي r وَمَنْ كان معه هَدْيٌ، فلما كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ
تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رسول اللَّه r فَصَلَّى بها الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
وَالْفَجْرَ. ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ
من شَعَرٍ تُضْرَبُ له بِنَمِرَةَ – موضع بجنب عرفات - فَسَارَ رسول اللَّه r ولا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ . كما كانت قُرَيْشٌ تَصْنَعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ – جاوز
مزدلفة - رسول اللَّه r حتى أتى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ
فَنَزَلَ بها حتى إذا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ له،
فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي . فَخَطَبَ الناس وقال: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا
في بَلَدِكُمْ هذا، ألا كُلُّ شَيْءٍ من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ
مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ
من دِمَائِنَا دَمُ بن رَبِيعَةَ بن الحارِثِ كان مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ
هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا،
رِبَا عَبَّاسِ بن عبد المطَّلِبِ، فإنه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّه في
النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّه وَاسْتَحْلَلْتُمْ
فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْلَا يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا
غير مُبَرِّحٍ، وَلَـهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْـمَعْرُوفِ وقد تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إن
اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّه. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟
قالوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فقال بِإِصْبَعِهِ
السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى الناس (اللَّهم
اشْهَدْ اللَّهم اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى
الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ولم يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شيئاً،
ثُمَّ رَكِبَ رسول اللَّه r حتى أتى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلى
الصَّخَرَاتِ – أسفل جبل الرحمة - ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بين يَدَيْهِ،
وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حتى غَرَبَتْ الشَّمْسُ،
وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حتى غَابَ الْقُرْصُ – غربت الشمس - ، وَأَرْدَفَ
أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رسول اللَّه r وقد شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ. حتى إِنَّ رَأْسَهَا
لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ. وَيَقُولُ بيده اليمنى – مشيرا بها - : (أَيُّهَا
الناس السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ) كُلَّمَا أتى حَبْلًا من الْحِبَالِ أَرْخَى لها
قَلِيلًا حتى تَصْعَدَ، حتى أتى الْمُزْدَلِفَةَ ، فَصَلَّى بها الْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ولم يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شيئاً ،
ثُمَّ اضْطَجَعَ رسول اللَّه r حتى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له
الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حتى أتى الْمَشْعَرَ
الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ
وَوَحَّدَهُ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حتى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قبل أَنْ تَطْلُعَ
الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بن عَبَّاسٍ وكان رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ
أَبْيَضَ وَسِيمًا فلما دَفَعَ رسول اللَّه r مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ
إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رسول اللَّه r يَدَهُ على وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إلى
الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ. فَحَوَّلَ رسول اللَّه r يَدَهُ من الشِّقِّ الْآخَرِ على وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ
وَجْهَهُ من الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حتى أتى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ
قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى التي تَخْرُجُ على الْجَمْرَةِ
الْكُبْرَى -جمرة العقبة - ، حتى أتى الْجَمْرَةَ التي عِنْدَ الشَّجَرَةِ،
فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مع كل حَصَاةٍ منها مِثْلِ حَصَى
الْخَذْفِ ، رَمَى من بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى الْـمَنْحَرِ، فَنَحَرَ
ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بيده، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ ما غَبَرَ،
وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ من كل بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في
قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا من لَحْمِهَا وَشَرِبَا من مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ
رسول اللَّه r
فَأَفَاضَ إلى الْبَيْتِ ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عبد
الْـمُطَّلِبِ يَسْقُونَ على زَمْزَمَ، فقال: (انْزِعُوا بَنِي عبد الْمُطَّلِبِ!
فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ الناس على سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ)
فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ منه.
وَكَانَتْ
الْعَرَبُ يَدْفَعُ بِهِمْ أبو سَيَّارَةَ على حِمَارٍ عُرِىٍ، فلما أَجَازَ رسول
اللَّه r من
الْمُزْدَلِفَةِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لم تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ
سَيَقْتَصِرُ عليه وَيَكُونُ مَنْزِلُهُ ثَمَّ فَأَجَازَ ولم يَعْرِضْ له حتى أتى
عَرَفَاتٍ فَنَزَلَ (مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي r،
برقم 1216.)
أركان الحج: وأركان الحج أربعة على الصحيح، وهي:
الركن
الأول: الإحرام: وهو نية الدخول في النسك فمن ترك هذه النية
لم ينعقد حجه؛ لحديث عمر بن الخطاب t قال: سمعت رسول اللَّه r يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
والركن
الثاني: الوقوف بعرفة. قال اللَّه تعالى: ]فَإِذَا
أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْـمَشْعَرِ الحرَامِ[.فإن الإفاضة من عرفة إنما تكون بعد الوقوف فيها،وهو الركن الذي
يفوت الحج بفواته؛لحديث عبدالرحمن بن يعمر t قال: شهدت رسول اللَّه r وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول اللَّه
كيف الحج؟ قال: ((الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمَّ حجه، أيام
منى ثلاثة، فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهن. ومن أدرك عرفة قبل أن
يطلع الفجر فقد أدرك الحج).
أما
الركن الثالث فهو: طواف الإفاضة للحج بعد الإفاضة
من عرفة ومزدلفة، لقول اللَّه تعالى: ]وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيق[؛ ولحديث عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: حججنا مع النبي r، فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي r منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول اللَّه، إنها
حائض، قال: (أحابستنا هي؟) قالت عائشة: يا رسول اللَّه، إنها قد كانت أفاضت وطافت
بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة فقال رسول اللَّه r: (فلتنفر [إذاً]) ولفظ البخاري: أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت:
يا رسول اللَّه: إنها حائض، قال: (أحابستنا هي؟) ولطواف الزيارة وقتان: وقت فضيلة،
ووقت إجزاء. فأما وقت الفضيلة فيوم النحر: بعد الرمي، والنحر، والحلق. وأما وقت
الجواز فأوله من بعد نصف الليل من ليلة النحر، وبهذا قال الإمام أحمد، والشافعي.
وقال أبو حنيفة أوله طلوع الفجر من يوم النحر، وآخره آخر أيام النحر، وهذا مبنيٌّ
على أول وقت الرمي. وأما آخر وقته فاحتج بأنَّه نُسُكٌ يفعل في الحج، فكان آخره
محدوداً كالوقوف والرمي. والركن الرابع: السعي بين الصفا والمروة؛ لحديث حبيبة بنت
أبي تجزئة قالت: دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش والنبي r يطوف بين الصفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدَّة
السعي وهو يقول لأصحابه: (اسعوا فإن اللَّه كتب عليكم السعي). قالت عائشة رضي
اللَّه عنها: (ما أتم اللَّه حج من لم يطف بين الصفا والمروة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.