البحث

التفاصيل

الاستيلاء على المساعدات الإنسانية في غزة.. رؤية فقهية

الرابط المختصر :

الاستيلاء على المساعدات الإنسانية في غزة.. رؤية فقهية

كتبه: د. مسعود صبري

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

في ظل الأزمة الطاحنة التي تمر بها غزة المحاصرة، ومع وجود إبادة جماعية يقوم بها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، شاعت ظاهرة سرقة المساعدات الإنسانية، سواء من بعض الأفراد تحت طائلة الحاجة، وربما يتساهلون في أخذ أكثر من حقهم، أو من خلال العصابات المنظمة، التي تظهر وقت الأزمات، وبعضها بتعاون مع الكيان الصهيوني الذي يسهل لهم ذلك العمل المشين، بتوفير غطاء عسكري، وذلك عند معبر كرم أبو سالم، ومدخل كيسوفيم وسط قطاع غزة ومعبر إيرز شمال القطاع، وذلك كما أشارت الكثير من التقارير الأممية، وتقارير صحفية، مثل «هاآرتس»، و«واشنطن بوست».

وبيان ذلك سواء في حق الأفراد، أو في حق الجماعات والعصابات كما يلي:

أولاً: الاستيلاء على المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة دون توزيع من الحكومة حرام شرعاً؛ ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم الاحتكار من التجار فيما يملكون، فقال: «لا يحتكر إلا خاطئ» (رواه مسلم)، فيكون الاستيلاء على أقوات الضعفاء والمساكين والأرامل واليتامى حرام من باب قياس الأولى؛ لأنه لما حرم احتكار ما يملك؛ فيحرم احتكار ما لا يملك وإن كان له فيه حق مشاع.

كما أن من يستولي على تلك المساعدات يمنع الآخرين حقهم، وهو من باب الاعتداء على حق الآخرين في قوتهم ودوائهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما ورد في حديث خولة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ورب متخوض في مال الله ومال رسوله، له النار يوم القيامة» (رواه عبدالرزاق في المصنف).

وعن أبي وائل، عن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع مال امرئ مسلم ‌بغير ‌حق، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان» (رواه أحمد بإسناد صحيح).

والاستيلاء على المساعدات في غزة حرام لما قد يترتب على ذلك من مضار كبرى، أخطرها أن تأخير وصول المساعدات أو منعها قد يودي بحياة آخرين إلى الموت، والأصل بذل المال لهم ولو كان ملكاً خاصاً للبقاء على الحياة، لا منعهم من حقهم، وقد قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32)، والاستيلاء على أقوات الضعفاء عمداً دون حاجة مشاركة للمعتدين في حصار أهل غزة، وهو من أكبر الكبائر.

ثانياً: أن أخذ الزيادة لأجل الادخار أو لأجل بيع المساعدات لشراء دواء أو غيره من الأهداف يحرم من باب أولى، لما ورد عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «‌من ‌اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار»، قال: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيباً من أراك»، قالها ثلاث مرات. (رواه مالك في الموطأ)، وأخذ الزيادة اقتطاع حق مسلمين في حالة إبادة جماعية، فالتحريم هنا أشد.

ثالثاً: أنه يجوز في حال الضرورة القصوى التي يخشى معها الهلاك أخذ ما يسد رمقه، ويقيم صلبه، ويمنع نفسه من الموت أو الضرر المحتم، دون أخذ زيادة، ودليله قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 173)، ولكن بشروط، من أهمها:

1- ألا يكون عنده ما يأكله، فإن كان عنده ما يأكله؛ حرم عليه أخذ أي شيء.

2- ألا يكون عنده مال يشتري به الطعام.

3- ألا يكون عنده علم بمن هو أحوج منه، كأن يكون الآخر مشارفاً على الموت.

4- أن يأخذ ما يسد به حاجته دون زيادة.

5- أن يتأخر التوزيع ويخشى مع تأخره من الضرر البالغ أو الهلاك.

رابعاً: أن هذا الاستثناء في الحكم لا ينطبق على العصابات المنظمة التي تتعمد الاستيلاء على المساعدات سواء من تلقاء نفسها أو بالتنسيق مع سلطة الكيان الصهيوني، وعملهم يندرج تحت حكم الحرابة والإفساد في الأرض المنهي عنه شرعاً في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33).

خامساً: الأولى في حق أهل غزة –وهم في محنة وبلاء- أن يتكاتفوا ويتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، وأن يؤثر بعضهم بعضاً؛ اقتداء بالأنصار رضي الله عنهم، وأن يضربوا للأمة المثل في الاقتداء بهم، كما قال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر: 9).

وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين في تعاونهم وقت الأزمات والحاجات، كما ورد عن أبي موسى، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم» (رواه البخاري، ومسلم).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. مسعود صبري؛ أستاذ الفقه والأصول المشارك، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
«لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم؟».. إصدار جديد من وزارة الأوقاف القطرية يستعرض أطروحات كبار المفكرين الإصلاحيين
السابق
الهند.. أكاديمية جامعة مركز بكيرالا تطلق عامها القرآني الجديد باستقبال 420 طالبًا

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع