أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وإقرار مبدأ العدل والمساواة بين
الناس (1)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
قال أبو بكرٍ -رضي الله
عنه-: الضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أُرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكم
ضعيفٌ حتى اخذ الحقَّ منه إن شاء الله (ابن كثير، 1988، ص 6/305).
إنَّ من أهداف الحكم
الإسلامي الحرص على إقامة قواعد النظام الإسلاميِّ التي تساهم في إقامة المجتمع
المسلم، ومن أهم هذه القواعد: الشورى، والعدل، والمساواة، والحريات، ففي خطاب
الصِّدِّيق للأمَّة أقرَّ هذه المبادئ، فالشورى تظهر في طريقة اختياره، وبيعته،
وفي خطبته في المسجد الجامع، بمحضرٍ من جمهور المسلمين، وأمّا عدالتُه؛ فتظهر في
نصِّ خطابه، ولا شكَّ: أنَّ العدل في فكر أبي بكرٍ هو عدل الإسلام، الذي هو
الدِّعامةُ الرئيسيَّة في إقامة المجتمع الإسلاميِّ، والحكم الإسلاميِّ، فلا وجود
للإسلام في مجتمعٍ يسوده الظلمُ، ولا يعرف العدلَ (هاني، ص 249).
إنَّ إقامة العدل بين
الناس أفراداً، وجماعاتٍ، ودولاً، ليست من الأمور التطوُّعيَّة التي تُترك لمزاج
الحاكم، أو الأمير، وهواه، بل إنَّ إقامة العدل بين الناس في الدِّين الإسلامي
تعدُّ من أقدس الواجبات، وأهمِّها، وقد أجمعت الأمَّة على وجوب العدل (الصلابي، ص
455). قال الفخر الرازي ـ رحمه الله ـ: أجمعوا على أنَّ من كان حاكماً، وجب عليه
أن يحكم بالعدل (الرازي، ص 10/141).
وهذا الحكم تؤيِّده النصوص
القرآنية والسُّنَّةُ النبويَّة. إنَّ من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع
الإسلاميِّ؛ الذي تسود فيه قيم العدل، والمساواة، ورفع الظلم، ومحاربته، بجميع
أشكاله، وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال، وتيسِّر السُّبل أمام كُلِّ إنسان يطلب حقَّه
أن يصل إليه بأيسر السُّبل، وأسرعها، دون أن يكلِّفه ذلك جهداً، أو مالاً، وعليها
أن تمنع أي وسيلةٍ من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحقِّ من الوصول إلى حقِّه.
لقد أوجب الإسلام على
الحكّام أن يقيموا العدل بين الناس دون النَّظر إلى لغاتهم، أو أوطانهم، أو
أحوالهم الاجتماعيَّة، فهو يعدل بين المتخاصمين، ويحكم بالحقِّ، ولا يهمُّه أن
يكون المحكوم لهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالاً أو أصحاب عمل، قال
تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ
شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8].
لقد كان الصدِّيق ـ رضي
الله عنه ـ قدوةً في عدله، يأسر القلوب، ويبهر الألباب، فالعدل في نظره دعوةٌ
عمليَّة للإسلام، فيه تفتح قلوب الناس للإيمان، لقد عدل بين الناس في العطاء، وطلب
منهم أن يكونوا عوناً له في هذا العدل، وعرض القصاص من نفسه في واقعةٍ تدلُّ على
العدل، والخوف من الله سبحانه (الصلابي، ص 459)، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ
رضي الله عنه ـ: أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ قام يوم جمعة، فقال:
إذا كنّا بالغداة؛ فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولا يدخل علينا أحدٌ إلا بإذنٍ،
فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الخطام لعلَّ الله يرزقنا جملاً، فأتى الرَّجل فوجد
أبا بكرٍ، وعمر ـ رضي الله عنهما ـ قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو
بكرٍ، فقال: ما أدخلك علينا ؟ ثمَّ أخذ منه الخطام فضربه، فلمّا فرغ أبو بكرٍ من
قسم الإبل دعا الرَّجل فأعطاه الخطام، وقال: استقد.. فقال عمر: والله لا يستقد!
ولا تجعلها سُنَّةً. قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة؟ قال عمر: أَرْضِهِ،
فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلةٍ، ورحلها، وقطيفة، وخمسة دنانير، فأرضاه بها
(هاني، ص 410).
وأمّا مبدأ المساواة الذي
أقرَّه الصِّدِّيق في بيانه الذي ألقاه على الأمَّة فيُعَدُّ أحد المبادئ العامَّة
التي أقرَّها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، وسبق به
تشريعات وقوانين العصر الحاضر، وممّا ورد في القران الكريم تأكيداً لمبدأ المساواة
قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع: