الهجرة النبوية.. دروس وعِبر خالدة
بقلم: د. شافي جمعة الحلبوسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تحت شعار: في ذكرى الهجرة
وعاشوراء.. غزة تُجدد النداء
في كل عام تتجدّد الذكرى، وتُضاء الذاكرة بحدثٍ غير مجرى
التاريخ: الهجرة النبوية الشريفة، حين تحوّل الضعف إلى قوة، والخوف إلى أمان،
والاضطهاد إلى كرامة. لم تكن الهجرة مجرد انتقال جغرافي من مكة إلى المدينة، بل
كانت بدايةً لبناء الأمة على أسس الإيمان والعمل، الصبر والمصابرة، الأخوّة
والنصرة.
موقف أثّر في نفسي: التخطيط في زمن الخطر:
ما شدّني في الهجرة، وجعلني أُعيد التأمل مرارًا، هو فنّ
التخطيط المحكم الذي مارسه النبي ﷺ، في أحلك لحظات الخطر.
فهو القائد المُؤيَّد بالوحي، ومع ذلك لم يترك الأمور للمفاجآت،
بل وضع خطة دقيقة للهجرة، استعان فيها بشاب ذكي (عبد الله بن أبي بكر)، وراعٍ أمين
(عامر بن فهيرة)، ومرشد ماهر في الصحراء (عبد الله بن أريقط)، وكانت أسماء بنت أبي
بكر – رضي الله عنها – توصل الطعام بصبرٍ وتحمُّل.
في هذا الموقف، تعلّمت أن النصر لا يأتي بالعشوائية ولا
بالأماني، بل بالتخطيط والعمل الدؤوب، ثم التوكل على الله. هذا المعنى يرسّخ فينا
اليوم أن التغيير في واقع أمتنا لا يكون بالصراخ، بل بالتفكير، بالعمل المنظم،
وبالنية الصادقة.
غزة والهجرة.. ذاكرة واحدة:
في ربط الهجرة بعاشوراء، وفي رفع شعار "غزة تُجدد
النداء"، نستشعر أن الأمة لا تزال في طريق هجرتها من الضعف إلى القوة، ومن
الخذلان إلى النصر. أهل غزة اليوم يعيدون لنا معنى الصبر والتمسك بالحق، كما فعل
أصحاب النبي ﷺ حين خرجوا من مكة حفاظًا على العقيدة وطلبًا للتمكين.
نعم، الهجرة ليست ذكرى نُحييها فقط، بل مشروعًا نستلهمه في كل
مرحلة ضعف يمر بها المسلمون، ودرسًا نُحييه في كل مظلوم صابر، وكل مقاوم ثابت، وكل
أمة ترفض الذل.
الخلاصة:
الهجرة النبوية ليست لحظة تاريخية جامدة، بل هي رحلة وعي وبناء
وعزة، تتجدد مع كل مقاومة، وتُقرأ من جديد في ضوء غزة، وصبرها، وصمودها، ونصرتها.
وإن كنا نحيي ذكراها اليوم، فإننا ندعو أنفسنا أن نكون من الذين
يهاجرون من ذلّ الخوف إلى عزّ الإيمان، ومن التبعية إلى الاستقلال، ومن الركود إلى
العمل والبناء.
فهلّا جددنا هجرتنا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر
بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* الباحث الأستاذ المساعد الدكتور شافي جمعة حمادي الحلبوسي، أستاذ
في كلية الإمام الأعظم الجامعة - قسم الفلوجة. وأمام وخطيب جامع المدلل في الفلوجة.