الهجرة النبوية الشريفة

الهجرة النبوية الشريفة

بقلم: د. أسماء غوشة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

لا أدري كيف كانت مشاعره في تلك الليلة..

نعم هو نبي مرسل لكنه بشر يفرح ويحزن..

اعتقد أن مشاعر الحزن كانت تسيطر على مشهد الهجرة النبوية..

حزن على فراق خديجة رضي الله عنها قبل بضعة أعوام فقد كانت السند الداخلي والحصن المتين لقلبه..

حزن على معاداة الأقارب،، وقد قال الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة  **  على المرء من وقع الحسام المهند

حزن على الإخراج من أحب أرض الله إليه..

فعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ (وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ)،،

وقال ﷺ: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ).

لكن هنالك رجل وقر الإيمان في قلبه، أحب النبي ﷺ حبًا جمًا، وفداه بروحه وماله فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه نعم الصديق والرفيق.

اتخيل النبي ﷺ عندما وضع خطته الاستراتيجية إلى الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لم يخطر في باله رفيقًا إلا أبا بكر وعائلته الكريمة،، تلك العائلة المؤمنة النبيلة التي اصطفاها الله تعالى لتلك المهمة.

فالرفيق أبا بكر -رضي الله عنه- وعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- من يتحسس أخبار المشركين، وأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- من سيوكل لها إعداد الطعام وتحضيره وإحضاره.

وفي أثناء الهجرة قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- للنبي ﷺ: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا! فقال النبي ﷺ: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! يعني من وقاه الله لا يضره أحد فأنزل الله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].

وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- حريصًا على حياة النبي ﷺ حرصًا شديدًا ويظهر ذلك في طريقة مشيته فكان يحاول أن يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم تارة وتارة خلفه خوفًا على النبي ﷺ فلفت ذلك النبي ﷺ فقال له: (أتود يا أبا بكر إن يكن شيء يكون فيك أنت؟ قال: بلى فداك أبي وأمي يا رسول الله، إن أهلك أهلك وحدي، أما أنت فمعك الرسالة)،

وفي أثناء دخولهما للغار استأذن أبو بكر الصديق رضي الله عنه الدخول قبل النبي ﷺ للتأكد من تأمين الغار من الحشرات التي قد تؤذي النبي ﷺ.

وجاء في فضله أيضًا قوله ﷺ: (إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودته).

وكذلك قال النبي ﷺ: (أيها الناس فما منكم من أحد كان له عندنا فضل إلا كافأناه به إلا أبا بكر لم أستطع مكافأته فتركت مكافأته لله عز وجل، كل الأبواب إلى المسجد تسد إلا باب أبي بكر لا يسد أبداً).

فتخيل معي سمو نفس هذا الإنسان رضي الله عنه وأرضاه.

علمتني الهجرة:-

أولاً: الأهداف العظيمة تحتاج إلى بذل أوقات نوعية ووضع خطط استراتيجية ومرونة وصبر جميل، فقد كان الله تعالى قادر على نصرة النبي ﷺ من أول سنة لكن ليعطينا دروس في الصبر وأن الأشياء يجب أن تأخذ وقتها.

ثانيًا: الرفيق قبل الطريق، فالطرق الوعرة تحتاج إلى أصدقاء أمناء حباهم الله تعالى بسعة في القلب ونقاء في الفكر والعقل وصفاء في الصدر.

ثالثًا: توزيع الأدوار من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فقد اختار النبي ﷺ عبدالله بن أريقظ الخبير والعارف بخبايا الطرق، واختار عامر بن فهيرة ليغطي آثار أقدام النبي ﷺ وآثار أقدام أبو بكر الصديق في الصحراء وهنا تخيل معي دقة التخطيط فالتخطيط في علم الإدارة هو استخدام كل الموارد المتاحة لتحقيق أهداف واضحة في وقت محدد وقد طبقها النبي ﷺ قبل 1400 عام.

واختم هنا حين وصف الله القمر قال: (قَمَرًا مُّنِيرًا)،

وحين وصف الله الشمس قال: (سِرَاجًا وَهَّاجًا)،

وحين وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) فجمع له ما بين الوصفين ليكتمل الجمال بالجلال وليلتحم الضياء بالنور فيشرق للعالم كله.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.