بسم الله
الرحمن الرحيم
التحذير من خذلان المسلم لأخيه
المسلم
بقـلم: د. أحمد الإدريسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا
محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين، وعلى
من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لقد تقرر عند
العلماء والفقهاء على تنوع مذاهبهم الفقهية والفكرية، وتمايز طرق استنباطهم الأحكام من مظانها، أن؛ أي أرض
إسلامية احتلها مغتصب فقد وجب على أهلها استردادها حتى تخرج المرأة دون إذن زوجها،
ويخرج الولد دون إذن والديه، ويخرج العبد دون إذن سيده، ذلك أن الدفاع عن الأرض
والوطن في هذه الحالة فرض عين على جميع أهل الوطن المحتل، فإن استطاعوا ردها فبها
ونعمت، وإلا فقد وجب على الدول المجاورة معاونتها، وهكذا تتسع الدائرة لكل
المسلمين حتى تخليصها من يد المغتصب، تماما كما كان المسلمون منذ عهد الصحابة رضي
الله عنهم.
أولا: تعظيم
السلف للمقدسات وحمايتها؛
- عن عبد الله بن مسعود، أن أبا موسى أمهم فخلع نعليه،
فقال له عبد الله: "لم خلعت نعليك أ بالوادي المقدس أنت؟". وهذا يدل على تعظيمهم
للمقدسات وبيت المقدس.
- روي أن عمر بن الخطاب، لما دخل بيت المقدس قال: لبيك
اللهم لبيك. وما فعل عمر ذلك إلا
لمكانة بيت المقدس والقدس الشريف في قلوبهم.
- جاء عن بعض السلف: (من صلى الفريضة في مسجد بيت المقدس
في جماعة كانت له بخمس وعشرين ألف صلاة، ومن صلاها وحده، كانت له بألف صلاة.
- عن كعب بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار، قال: (أحب
البلاد إلى الله الشام، وأحب الشام إليه القدس).
ومن خلال أقوال الفقهاء نفهم أنه يتعين
على المسلمين تحرير الأراضي المحتلة، ومن أقوالهم:
- قال عبد
الله بن محمود الموصلي: (الجهاد
فرض عين عند النفير العام وكفاية عند عدمه، والنفير العام: أن يحتاج إلى جميع
المسلمين فلا يحصل المقصود وهو إعزاز الدين وقهر المشركين إلا بالجميع، فيصير
عليهم فرض عين كالصلاة، وإذا لم يكن كذلك فهو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن
الباقين كرد السلام ونحوه، لأن المراد والمقصود منه دفع شر الكفر وكسر شوكتهم،
وإطفاء ثائرتهم وإعلاء كلمة السلام، فإذا حصل المقصود بالبعض فلا حاجة إلى غيره).
- قال ابن
الحاجب: (الجهاد واجب على الكفاية
بإجماع، ويتعين على من نزل عليهم عدو وفيهم قوة عليه، فإن عجزوا تعين من قرب منهم
حتى يكتفوا، ويتعين على من عينه الإمام مطلقًا. والقوة: أن يكون العدو ضعفهم فما
دونه عددًا، وقيل: قوة وجلدًا – فيحرم الفرار إلا متحرفًا أو متحيز).
- قال الإمام الخِرَقِي: (والجهاد فرض على الكفاية، وواجب على الناس إذا جاء
العدو أن ينفروا المقل منهم والمكثر).
- قال أبو الحسن الماوردي: (وفرض
الجهاد على الكفاية يتولاه الإمام ما لم يتعين. وإن سار العدو إليهم تعين فرض
جهاده على كل من أطاق دفعه من المسلمين حتى يردو).
لذلك كله فإن أهل فلسطين إن لم يستطيعوا لوحدهم
تعيَّن الجهاد على الأقطار الإسلامية المجاورة أو ما تسمى دول الجوار، فإن لم
يستطيعوا أو تخاذلوا، انتقل الواجب إلى كل مسلمي الأرض حتى يتم تحريرها.
ثانيا: أحاديث وآثار في
وجوب النصرة والتحذير من خذلان المسلم.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله
عليه وسلم، ومسجد الأقصى).
- عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من أهل بعمرة من بيت المقدس، غفر له).
- عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا يزال ناس من أمتي يقاتلون
على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم على ذلك).
- عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما
فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه،
وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه،
إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد
أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة).
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه
كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة).
- عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا
تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى).
- عن البراء رضي الله عنه، قال: (صلينا مع النبي صلى الله
عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرًا، ثم صرفه نحو القبلة).
- روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته
وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر
مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب
نصرته).
ثالثا: الأمة لن تموت:
إن الأعداء يكيدون للأمة، ويريدونها عاجزة بائسة مستسلمة،
وأن يكون رأس مالها التأسف والتوجع، وأن تنسى الآلام بالتعاطي للمخدرات والأفلام، وتهرب
من المُوجعات إلى المباريات، فإنها لن تموت بإذن الله، لأن الأمة التي اختارها
الله لوراثة الأمم، وبقاء شريعة الإسلام، وحفظ الدين، والانتساب للنبي الكريم صلى
الله عليه وسلم ليست هكذا، وما ينبغي لها أن تكون. زلكن الأمة حية، وستبقى حية
بإذن، ووعد الله آت آت آت؛ هذا ما وعدنا الصادق المصدوق الذي لا ينطق على الهوى
صوات ربي وسلامه عليه، ما تعاقب الليل والنهار.
إننا لا نهوّن من واجب التكليف الحالي الذي يقع على عاتق
الأمة ونخبها والقادرين من أبنائها، بل نؤكد على الأخذ بالأسباب، ونبثّ الأمل في
أبناء الأمة ونعزز اليقين، وندعو إلى حسن الظن بالله، ونؤمن أنه لا يعلم جنود ربنا
إلا هو سبحانه، وندعو إلى الفقه بسنن الله تعالى، ونؤكد على جعل قضية هذا الصراع
قضية مركزية ومحورية، ونؤمن أن ما عند الله لا ينال إلا بالصدق مع الله، والعودة
إلى دينه، والتعلق بالله وحسن الظن به.
وقبل ذلك وبعده؛ نُحسن الظن بالله تعالى، فهو أرحم
بعباده، ولن يصنع بهم وبدينه إلا الخير، وأنه أنصر لدينه من كيد الكائدين. إن الاختبار
الذي جعله الله من وراء كل حدث عظيم: "ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو
بعضكم ببعض".
خــاتمـة:
وجب على المسلمين
اليوم أكثر من أي وقت آخر؛ أن يقوموا لإنقاذ إخوانهم في غزة ونصرتهم والدفاع عن المسجد الأقصى، وأن
يوقفوا التطبيع بكل أشكاله
مع هذا العدو الغاشم، وهذا أقل الواجب لنصرة الأقصى، وبيت المقدس ومعاونة ومساندة
أهل فلسطين حتى استرداد حقهم المسلوب، وتحرير المسجد الأقصى.
وحتى يأذن الله بالفرج وبنصره نقول لأحرار العالم ولشباب
أمة الإسلام:
"لا
تُظهروا لعدوكم ضعفا ولا يأسا ولا استكانة… "،
"لا
تغفلوا عن إخوانكم طرفة عين في غزة وفلسطين،
"لا
تسمحوا لعدوكم بقتل ضمائركم بكثير ما به يفتنكم، وعلقوا آمالكم بربكم،
"اجعلوا
من الآلام فرصة لليقظة، حتى تحيى الأمة من جديد، وتسترجع عزتها.
والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة
تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
-
الخرقي، أبو القاسم عمر بن الحسين، "متن الخرقى على مذهب أبي عبد الله أحمد
بن حنبل".
-
الماوردي، أبو الحسن على بن محمد. الإقناع في الفقه الشافعي.