الإعلام الفرعوني، جذور ومعالم
بقلم: زهرة سليمان أوشن
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الإعلام
الفرعوني له جذوره وموارده، داعموه ومناصروه، رموزه ومسوقوه، تتنوع أساليبه، تتعدد
وسائله، لكنها كلها لا تنفك عن مناصرة الباطل وحزبه، والوقوف في وجه الحق وأهله،
والهدف قلب الحقائق والعبث بالقيم وهدم المبادئ وفوقها نشر التفاهة وتسويق الفساد
وإعلاء الاستبداد، مع أعداء الدين هين لين، خاضع مستكين، ومع أهل الإصلاح المؤمنين
عدو مبين، يدقق ويحقق، يرصد ويحرض، بل يدعي ويفتري، وكم له من جولات له متتابعات
حقدا وتطاولا، تشويها وانتقاصا، كذبا وتدليسا على المرابطين والمجاهدين.
إنه إعلام..
يدعم
الطغيان ويساند الظالمين، يزين الباطل ويزرع الأوهام، يشوه المصلحين ويلوث
الأنقياء، يصنع قدوات كرتونية ينفخ فيها بأبواقه ليضخمها ويعلي قدرها، ويحول
شخوصها إلى عمالقة وما هم إلا أقزام لئام.
دعائم هذا الإعلام..
كذب
وبهتان، تهوين وتهويل، تخوين وافتراء، تلبيس وتدليس، ضلال وإضلال.
فعل
فرعون الأفاعيل، ارتكب المجازر ونشر الرعب، استبد واستعبد، قتل واستباح.
ثم
ها هو يخاطب موسى مذكرا إياه بخطأ صدر منه عن غير قصد قائلا: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا
مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ
الْكَافِرِينَ (19)، سورة الشعراء.
إنه
إعلام مستبد، أحادي الرأي، يسبح بحمد الحاكم ويدعو له، يتحدث عن فضله وفضائله،
يكبر إنجازاته، بل يصنع له إنجازات، ويجعل أعماله معجزات، ويظهره صاحب مكرمات
وكرامات.
والخطاب
الإعلامي الفرعوني، خطاب تبريري، تغريري، إقصائي، انتقائي، ادعائي، تضليلي.
انظر
إلى كلمات فرعون، وهو يتحدث في قومه: (وَنَادَىٰ
فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ
الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ
مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ
عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ
(53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
(54)، سورة الزخرف.
وهو
إعلام، إبليسي المنهج، قاروني المورد، الغاية عنده تبرر الوسيلة، ليس لديه مانع أن
يستعين بالمأجورين، ويعتمد على الأفاكين، ويحيك المؤامرات مع السحرة والدجالين.
قدوته
في ذلك فرعون مصر الذي استعان بالسحرة، ورصد لهم مكافأة ثمينة إن هم غلبوا بكيدهم
موسى عليه السلام.
قال
تعالى: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ
وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)، سورة الأعراف.
وهو إعلام لا يعتد بحلال، ولا حرام، ولا تهمه
قيم ولا وفضيلة، يسعى فسادا وإفسادا، وإن ادعى صلاحا وإصلاحا، يجيد المكر والخداع
والتلاعب بالألفاظ، يحسن تحريف الكلم عن مواضعه.
استمعوا
إلى هذا الطاغي وهو يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ
ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ
دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)، سورة
غافر.
وانظروا كيف أصبح فرعون المفسد المستبد الحارس
على القيم والدين، وغدا موسى -عليه السلام- هو الذي يشكل خطرا على الدين.
سبحانك
هذا بهتان عظيم.
ويعلو
في هذا الإعلام، صوت الطغاة المتجبرين، فلا رأي يعلو على رأيهم، ولا فكر فوق فكرهم
المعوج الذي يدعون استقامته.
استمع
إلى فرعون وهو يقول: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا
أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)،
سورة غافر.
ويستمر
التطبيل والتزمير، البهتان والتزوير، وتتضحم الأنا عند الطواغيت، وترتفع عندهم
موجة الكبر، فلا نعجب أن نجدهم يرفعون أنفسهم فوق البشر بدعم من إعلامهم المنافق،
أليسوا هم خير خلف لسلفهم ورائدهم حين قال: (مَا
عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي)، سورة القصص من الآية 38.
ونحن اليوم أيها الكرام، وقد عتا فيه الإعلام
الفرعوني عتوا كبيرا، وعلت فيه أمواجه سفاهة وتضليلا، تهوينا وتهويلا، ادعاء
وتشويها، غدى واجب علينا أن نقابل هذه الأمواج بالفهم والوعي، ثم العمل والسعي،
لننطلق بعد الإدراك إلى الحراك، وزادنا نور الحق وصدق البيان، فهم بخطورة
المؤامرات، وعلم بطرق المواجهة، دراسة وتخطيطا، تقنية وإبداعا، تزكية وارتقاء،
بذلا وعطاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.