البحث

التفاصيل

حل الدولتين، والكيل بمكيالين

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

حل الدولتين، والكيل بمكيالين

بقلم: أ. د. عبد الرزاق قسوم

عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

بعد عقود طويلة من التخدير والنوم، ومثلها من الهدهدة والوهم، أفاق القوم في الغرب اليوم، ليذكروا منكرا فعلوه، وجرما اقترفوه، ونبتا هجينا زرعوه، وشعبا أصيلا شرّدوه.

خرج الغرب علينا -بعد كل هذا- بمصطلح مظلوم، وشعار موهوم، ومفهوم ملغوم، هو شعار الدولتين، والكيل بمكيالين، والنظر برؤيتين.

غير أن المقدمات الخاطئة التي أقام عليها الخطاب الغربي أسسه، هو تقييد الدولة الفلسطينية المزعومة، بأن تكون منزوعة السلاح، ومطالبة بتسليم أسلحة ومسلحي المقاومة والكفاح، وحرمان حماس من أية مشاركة في قيادة الدولة ضمانا للنجاح.

وواعجبا للسذاجة التي يعامل الغرب بها أصحاب الحق الأصلاء، فيحرمهم من كل مقوماتهم البديهية، ويخرجهم من جل انتماءاتهم الأصلية، ويمنح -بالمقابل- أعداءهم، حتى الحقوق الإضافية الاصطناعية.

فهل بلغ الغباء السياسي، إلى هذا الحد من الفهم، حتى يسمح بعض الساسة لأنفسهم؛ بإصدار بعض الأحكام الباطلة وهم يعلمون -في قرارة أنفسهم- بأنها أحكام مرذولة، ومرفوضة من صاحب أي عقل سليم، وغير مقبولة؟

يعلم الجميع، أن ما يسمى "بدولة إسرائيل" هي دولة دخيلة على المنطقة، لا يسندها تاريخ، ولا تمتد لها شماريخ، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون تاريخا، أو يكذبون على أنفسهم وعلى التاريخ؟

كنا نظن، وبعض الظن إثم، أن الغرب قد استفاد من أخطائه في حق العرب والفلسطينيين، بعد عقود طويلة من الزمن، فهو اليوم جاهز لتصحيح أخطائه، وتجديد آرائه، والعودة إلى إنصاف المظلومين، بتأسيس انتمائه.

فإذا كان من أبسط قواعد المنطق، أن ما بني على خطإ فهو خطأ، فكيف بنا، بما يمثل تصحيح الخطإ بالخطإ؟ وهل يعقل أن نقول للمحسن أسأت، وللمسيء أحسنت؟

إن الحق الشرعي في فلسطين واضح وضوح الشمس في ربيع النهار، وإن هذا الحق لا ينكره إلا أعشى البصر والبصيرة، فكيف بمن يدّعون قيادة العالَم، ويرفعون شعار الحرية، والديمقراطية؟

وتعالوا بنا، إلى إزالة الجرم، وتصحيح الفهم، وإنصاف الظلم، في المشكل الفلسطيني الأم!

نحن نؤمن، ويشاركنا في هذا الإيمان كل ذي عقل سليم، ومنطق قويم، بأن الحقيقة الثابتة التي يسلم بها الجميع، هي أن مصطلح "فلسطين" راسخ في التاريخ رسوخ الجبال الرواسي، ويسلّم بوجوده كل المطالبين بأرضه.

فلماذا لا نبني دولة شاملة، جامعة، ومانعة لكل من يعلن تعلّقه بفلسطين، ونسميها دولة فلسطين، التي تضم كل الأعراف والأطياف، وتكفل الحرية لكل الديانات، والإيديولوجيات؟

هذا إن أردنا الإنصاف للجميع، والوفاء بحق الرفيع والوضيع، فنقيم دولة فلسطين الكبرى، على أسس من الحرية الشاملة، والديمقراطية الكاملة، والمعايشة العادلة.

فإن أبوا ذلك، وهو المتوقع بكل تأكيد، فالفلسطينيون، من باب التسامح والتنازل قد يقبلون ببناء الدولتين، لكن على أساس اكتمال السيادة، وحرية الإرادة، واختيار القيادة.

فيحق -إذن- لكل دولة، أن تنعم بحقها في التسلّح دفاعا عن نفسها، وفي استقلالية اقتصادها عن كل تبعية، ضمانا لنموها وازدهارها، وخالية من القواعد العسكرية الأجنبية تحقيقا لأمنها واستقلالها.

ولتحقيق ذلك، ينبغي أن يتخلى اليهود عن صهيونيتهم، التي هي سبب عنصريتهم، وفاشيتهم، وإقصائيتهم وتوسعيتهم، كي يتعايشوا مع غيرهم في أمن وسلام.

أما المطالب النشاز التي يرفعها بعض دول الغرب، فإنها تكرس العنصرية من البداية، وتجسد الإقصائية إلى النهاية.

فهل يستطيع الغرب أن يضمن قيام دولة فلسطينية، وهو الذي قبل تجويع المدنيين الأبرياء، وإبادة الفلسطينيين البرءاء، ومباركة السياسة الصهيونية العنصرية بلا شجب أو تنديد أو إقصاء.

إن الغرب الذي أمد إسرائيل بالمال والعتاد، والسلاح، والتأييد، على حساب الشعب الفلسطيني الشهيد، إن هذا الغرب، ليس بريئا في المطالبة بحق الدولتين، لأنه كان ولا يزال، وسيظل يكيل بمكيالين، لأنه أعشى العينين.

نقول هذا ونحن موقنون بأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المجردة من كل حقوق الدولة السليمة، لن يزيد الطين إلا بلة، ولن يزيد القضية إلا علة.

والحل الحقيقي يكمن في العودة إلى الشعب الفلسطيني، واستفتائه في مصيره بكل حرية، وله الحق في اختيار القيادة التي يريد، ونمطية الحكم الذي يفيد.

والاستقلال كل لا يقبل التجزئة، فإما أن يكون أو لا يكون، ومن حق القيادة الفلسطينية التي يباركها الشعب، أيا كان مذهبها، واتجاهها، فهي التي تعكس إرادة شعبها، وليتحمل مسؤولية اختياره دون أي تدخل، من أية جهة كانت.

أما حكاية فرض السلطة، وتعيين الحكام، فقد عفا عليها الدهر، ومحيت بالدماء والدموع، والترويع والتجويع.

فكفى نفاقا، وكفى غباء، في التعامل مع الشعوب، ولنا في ما قدمته شعوب سبقت من خلال نضالها، كالشعب الجزائري والشعب الفيتنامي، والشعب الجنوب الإفريقي، والشعب الأفغاني وغيرها، لنا في كفاح هذه الشعوب الدروس والعبر، لمن شاء أن يعتبر.

أما الحقيقة الثابتة الراسخة التي لا يزلزلها أحد، فهي أن الدولة الفلسطينية الحرة، المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، آتية لا ريب فيها، مهما أرعد أو أربد اليمين المتطرف في حكومة النتن ياهو، ذلك لأن عَلَم الحق سيعلو، ولا يعلى عليه، أما الأدوار الزائفة، من فرض السيادة على الضفة الغربية، أو رفع شعار دولة منزوعة السلاح، ولا مكان لحماس فيها، فهي كلها شعارات جوفاء، لا مكان لها في عالم الحقيقة.

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [سورة الرعد، الآية 17].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة


المرفقات

التالي
فرع الاتحاد في كردستان العراق يعقد دورة شبابية علمية في السليمانية لترسيخ الفكر الوسطي
السابق
عضو الاتحاد رياض الماجري يوثق في كتيّبه تجربة "قافلة الصمود" من تونس إلى غزة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع