المقاومة الفلسطينية: الحق المشروع في تاريخ الصراعات
بقلم: شعيب الحسيني الندوي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
تظلّ قضية
فلسطين جرحاً نازفاً في جسد الأمة الإسلامية، وشرارةً متقدة في وجدانها، فهي
منذ قرن كامل بؤرة الصراع في قلب الشرق الأوسط، ومحور التقلبات ومفتاح الأزمات.
ورغم أن
رياح التحرير هبّت على العالم العربي فانتزعت أوطانه من براثن الاستعمار الغربي،
بقيت الدولة الصهيونية غير الشرعية شوكة غائرة في خاصرة المنطقة، تثير القلاقل
وتؤجج الفتن، لقد خاض العرب ضدها حربين عظيمتين، لكنهم لم يفلحوا في كبح جماح
تمددها، فإذا بها تخرج من كل معركة أشد بأساً وأعظم نفوذاً.
لقد كُتب
الكثير عن تاريخ هذا الكيان، وعن الصراع الممتد معه، وعن أسباب الإخفاق العربي في
مواجهته، غير أن مقالي هذا لا يقصد تكرار ما قيل، بل يسعى إلى تناول سؤال ملحّ: إلى
أي مدى تُعد المقاومة الفلسطينية – ولا سيما المسلحة – عملاً صائباً أو منحرفاً عن
جادّة الصواب؟
أول ما
ينبغي أن يستقر في الوعي أن هذه المقاومة ليست سوى امتداد لمعركة التحرير، ففلسطين
أرض سُلبت من أهلها، وغُصبت ديارها من مالكيها الشرعيين، وزُرع فيها غرباء جُلبوا
من أصقاع الأرض، ومُنحوا الامتيازات واحتضنتهم قوة غاشمة، هذا في جوهره استعمار
سافر، غير أن فظاعته في الحالة الفلسطينية تتضاعف، إذ تم تجميع أتباع دين واحد من
شتات الأرض، وإحلالهم محل الشعب الأصلي الذي شُرّد واقتلع من جذوره. إنه ظلم مركّب
وجريمة نكراء قلّما سجّل التاريخ مثيلاً لها.
بعد
إدراك هذه الحقيقة، يصبح من العبث أن يُسمّى نضال الفلسطينيين بغير اسم الحرية،
وأي توصيف آخر له ليس إلا تحريفاً للتاريخ وتطاولاً على كرامة الشعوب.
أما
المقاومة المسلحة فهي في سجل الأمم صفحة من ذهب، ومشهد من مشاهد العز، تصوغ وجدان
الأجيال القادمة وتبثّ فيهم روح الإقدام، وتظل تاجاً على جبين التاريخ الوطني.
إن
التمعن في مسيرة المشروع الصهيوني يكشف عن خطة مدروسة، هدفها ابتلاع الأرض شبراً
شبراً، وفرض واقع ديني وسياسي جديد في قلب المنطقة، وخلال خمسة وسبعين عاماً،
استُولي على تسعين بالمئة من الأرض بطرق قسرية، وهُدمت البيوت على مرأى من العالم،
وأُحلت محلها مستوطنات محصنة، ومن أراد أن يرى الحقيقة جلية فلينظر إلى ما يحدث
اليوم في الضفة الغربية: أحياء تُخلى، جرافات تحطم البيوت، ثم قرارات رسمية تمنح
الأرض للمغتصبين.
أما
العمل السلمي أو النضال الديمقراطي فقد جرى سحقه بوحشية، واشترت الدولة الصهيونية
كل صوت معارض، حتى غدت فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة حبراً على ورق، وتحوّلت
القرارات الدولية إلى أوراق ممزقة في سلة المهملات، لقد نقضت هذه الدولة كل اتفاق
رعته الأمم المتحدة، ضاربة بالقانون الدولي عرض الحائط.
وإذا
قرأنا الحاضر على ضوء الماضي، ظهر جلياً أن السلاح بات الملاذ الأخير، وأنه لولا
هذه المقاومة لانمحى اسم فلسطين في غضون عقود قليلة، ولاندثر شعبها، وابتُلعت
أرضها بالكامل، إن المقاومة اليوم ليست مجرد فعل عسكري، بل هي روح القضية ونبض
بقائها، وهي السدّ المنيع أمام اكتمال المشروع الصهيوني.
أما
أولئك الذين يلقون باللائمة على المقاومة، ويرونها سبب البلاء، فهم بين جاهل
بالتاريخ ومصاب بعقدة النقص، أو أسير لمادية باردة تُغريه عبادة كل شمس صاعدة.
نعم، قد
يُختلف في بعض أساليب المقاومين وطرائقهم، ويجوز نقدها وتقويمها، غير أن إنكار أصل
المقاومة ضرب من الغرور والسذاجة، ومجاراة للباطل في أوضح صوره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة
تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.