خيانة
الأوطان الخنجر المسموم في صدر هذه الأمة
بقلم: د.
محمد دمان ذبيح
عضو
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ثم أما بعد
إن من أكبر ما يهدم الأوطان، ويخربها على
مستوى جميع الأصعدة الخيانة، ذلك لأن هذه الأخيرة ستعبد الطريق أمام العدو ليحقق
أهدافه وغاياته مهما كان نوعها، ومهما تعددت، أو اختلفت ألوانها.
ومما يدل على خطر الخيانة آثارها السلبية
التي لا تنعكس فقط على الجيل الحالي، بل حتى على الأجيال القادمة،
ولعل من
أبرز هذه الآثار: القضاء على النسيج
الاجتماعي، وزعزعة الاستقرار، وضعف الانتماء للوطن، وغياب القيم، والأخلاق
السامية، وانتشار الفساد، والمشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة وغيرها، هذا إلى
جانب انهيار الاقتصاد، وفقدان السيادة بشكل رهيب حتى تجد الدولة نفسها تحت إملاءات
الدول الأجنبية وشروطها المتعددة، مما يعني الدمار بعينه، أو الفناء الحضاري الذي
يصعب معه الميلاد مجددا من أجل نهضة الأمة، وازدهارها في مختلف مجالات الحياة.
والخائن لوطنه ولأمته يرفضه كل شبر
على هذه الأرض، ويكفيه دناءة وصغارا أنه وقف إلى جانب العدو لضرب وطنه وأمته، وهو
يعلم كل العلم ما سيترتب عن هذه الخيانة، وعن هذا الفعل الشنيع الذي ينكره أهل
المروءة والشهامة، فعجبا كيف يخون المرء أمه التي أرضعته، وسهرت وتعبت من أجله حتى
صار جسدا وروحا، يتمتع بذاته، وكيانه، ووجوده بين الناس جميعا؟!
ولا شك أن الخائن يجعله وطنه يبكي دما،
ويتحسر كمدا، لأن السهام التي يتلقاها من كل جانب هي من أحد أبنائه الذين تربوا،
ونشأوا في بيته، وتعلموا، وتثقفوا في مدرسته، وما أصعب ضربات القريب! فهي أشد
وأقسى من ضربات البعيد، وصدق من قال:
يخادعني العدو فلا أُبالي....
وأبكي حين يخدعني الصديق.
· يا "من باع وخان
" إن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ
لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال:
58]، ويقول أيضا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38].
· يا "
من باع وخان " لماذا لا تستجيب لنداء الرحمن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
·
يا " من باع وخان " ألم تعلم بهذا الوعيد القرآني: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51]، وأيضا: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ
الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا
أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة:
01].
· يا "من باع وخان"
ألم تعلم بأن "المؤمنُ يطبعُ على الخلالِ كلِّها إِلَّا الخيانةَ
والكذبَ "
· يا "من باع وخان"
هل نسيت، أم تناسيت يوم الحساب الذي يسأل فيه المرء عن كل شيء؟، قال النبي صلى
الله عليه وسلم: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن
عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه،
وماذا عمل فيما علم؟".
· يا "
من باع وخان " إن الحياة دقائق وثواني، فلماذا نعيشها في دائرة
من الخيانة، والغدر؟، وأعلم أن شرف الإنسان، وكرامته أولى، وأعظم، وأغلى من كل
الصفقات، أو الامتيازات، أو المليارات التي سيتحصل عليها من وراء بيع الذمم، أو خيانتها.
· يا "من باع وخان"
إن التاريخ لا يرحم، فإما أن تكون في صف الأمانة، فتترحم عليك البشرية جيلا بعد
جيل، أو في صف الخيانة، فيلعنك الناس إلى يوم الدين، هل تذكر "أبا رغال"،
الخائن الأكبر، الذي جعل من نفسه دليلا، وعميلا لأبرهة الأشرم عندما عزم على هدم
الكعبة؟، وهل تذكر "ابن العلقمي" الذي كان سببا في قتل مليون مسلم، وقد
كان دليلا "لهولاكو" قائد التتار ؟، فلعنة الله تعالى على الخائنين في
كل زمان ومكان.
· يا "
من باع وخان " تعلمنا من التاريخ أن مصير الخائن الذل والهوان،
والموت بأبشع الصور، ولعذاب الآخرة أكبر، فهل اتعظت؟
· يا "
من باع وخان " اسمع جيدا، فقد سألوا "هتلر" قبل
وفاته: "من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك..؟ قال:"أحقر الناس
الذين قابلتهم في حياتي؛ هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم"!!!. ، وذات يوم أراد أحدهم أن ينافق نابليون، القائد الفرنسي
فنقل إليه أسرارا عسكرية عن جيش بلاده، استقبلها نابليون بسرور بالغ، وقد ساهمت
هذه الأسرار فيما بعد في تحقيق الانتصار له في الحرب، وبعد الانتصار، استقبل نابليون
ذلك الرجل بجفاء، وأخذ كيسا من المال، وألقاه إليه دون أن يترجل عن ظهر حصانه،
فقال له المنافق: "لا حاجة بي إلى المال، وأمنيتي هي أن أصافح
الإمبراطور"، فقال له نابليون: من يخون وطنه ،وينافق أعداءه على حساب شعبه
له المال فقط، أما يد الإمبراطور فلا تصافح رجلا يخون بلاده …
· يا "
من باع وخان " أظن أن الرسالة واضحة، وهي تعبر عن نصيحة، كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة " من عبد ضعيف إلى عبد غرته
الحياة الدنيا بزينتها، وزخرفها فباع دينه، وشرفه، وعرضه، و"لا خير فيكم
إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها " كما قال الفاروق رضي الله
عنه، والذي كان بحق رمزا في الغيرة على هذا الدين، وعلى هذه الأمة، فما باع، وما خان،
وما خذل، حتى نال الشهادة في سبيل الله تعالى، وهكذا يجب أن نكون أو لا نكون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة
تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.