الرباط في سبيل
الله حراسة الدين وعمارة الحياة
بقلم: طه سليمان
عامر
عضو الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين
لا زلنا نتابع في الأيام الماضية مشاهد
الآلاف أهل غزة وهم يعانون جميع أنواع القتل ليلاً ونهاراً وسط خذلان عز نظيره،
إلا ما ظهر من بعض أحرار العالم من مبادرات لكسر الحصار.
أهل غزة هم من قدموا معنى الرباط
في سبيل الله تعالى في أعظم صوره، مع ما كلفهم من تضحيات جسام وعذابات، ومعاناة، وأوجاع،
وآلام.
جدير بنا أن نتعلم من مدرسة غزة
معنى الرباط وأنواعه، ويستطيع كل مسلم في الشرق والغرب أن يأخذ من الرباط نصيباً
منه، ويفوز بالشرف ويحظى عند الله بالمكانة، وضع لبنة في بناء حضارة الإسلام
وإسعاد الإنسان، وتحرير المظلومين، وصناعة الأجيال ونهضة العمران.
معنى الرباط في سبيل الله وفضله
وأنواع وهذا ما نتحدث عنه في النقاط التالية:
- الرباط
في سبيل الله من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها أجراً.
- ما معني الرباط؟
المقصود بمعنى الرباط أن يلازم
المسلم ثغرا من ثغور المسلمين لحماية الوطن والدين من أي خطر.
الرباط في القرآن
والسنة
ورد الأمر بالرباط في سبيل الله
في مواضع عديدة من القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
وحماية الدين وحراسة الأوطان
تتطلب قدراً كبيراً من الصبر، والثبات، والصمود، والتضحية.
أهمية الرباط في
سبيل الله
تتجلى أهمية الرباط في سبيل الله
في:
- الدفاع
عن الدين والوطن والنفس من أي تهديد أو خطر
(أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ) [الحج: 40].
والمسلم في أوروبا يدافع عن وطنه
الذي يعيش فيه ويصد عنه أي خطر يهدد أمنه وأمانه، ولنا في صحابة رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسوة حسنة حين هاجروا إلى الحبشة وساعة تعرض النجاشي إلى انقلاب
عرضوا عليه أن يقاتلوا معه، ولما نشب القتال صنع الصحابة قربة يعوم عليها الزبير
بن العوام ليراقب المشهد من بعيد تحسبا لأي ظرف يقتضي التدخل.
وهذا من واجبات المواطنة
والانتماء للأوطان.
- نصرة المظلومين والمستضعفين (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا
وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)
[النساء: 75].
حماية المقدسات
والدفاع عنها
لقد قدم المسلمون عبر التاريخ
تضحيات غالية فداء للقدس والأقصى الشريف، وقد ضحى الشعب الفلسطينيين وأهل غزة
العزة في سبيل القدس والاقصى واستشهد منهم أكثر من (60 ألف) شهيد ومئات الآلاف من
الجرحى فضلاً عن تهجير أهل غزة وحصارهم، وموتهم جوعاً، وعطشاً، ومرضاً.
وأهلنا في القدس الشريف يرابطون
في ساحاته ويتحملون المعاناة.
وقد بشر الرسول صلى الله عليه
وسلم أنهم منصورون؛ (لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا
يَضُرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتىَ أمرُ اللهِ، وهم ظاهِرُونَ على
الناسِ) أخرجه مسلم.
* الرباط من أعظم
الأعمال
جاء في فضل الرباط أحاديث كثيرة،
منها ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما فيها).
وفي صحيح مسلم عن سلمان قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن
مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان).
خرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات مرابطا في سبيل الله أجري
عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله
يوم القيامة آمنا من الفزع).
الرباط في سبيل الله صدقة جارية لا
ينقطع أجره إلى يوم القيامة.
أنواع جديدة من
الرباط:
حديث أول ما قرأته كان في أحد كتب
شيخنا الغزالي رحمه الله، وهو حديث يوسع معنى الرباط في سبيل الله، حتى يجعل
الحياة محاريب يتوجه العبد أينما ولى إلى عمل يدخله في زمرة المرابطين، بل يتجاوز
قيام ليلة القدر التي نتنافس في الظفر بها.
جاء في صحيح الترغيب والترهيب عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه كان في الرِّباط ففزعوا إلى السَّاحل، ثم قيل.. لا
بأس، فانصرف النَّاس وأبو هريرة واقف، فمرَّ به إنسانٌ فقال: ما يُوقِفُك يا أبا
هريرة؟! فقال: سمعتٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "موقِفٌ ساعةٍ في
سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجرِ الأسود". أخرجه بن حِبان وصححه
الألباني بإسنادٍ صحيح في السلسلة الصحيحة.
- تربية
الأولاد في عصرنا عامة وفي الغرب خاصة من أعظم أنواع الرباط في سبيل الله لأن
حراسة عقيدة أولادنا في بيئة الشهوات والشبهات، حيث يواجه التدين فيها تهديداً
خطيراً تتطلب جهداً عظيماً وصبراً كبيراً وثباتاً على المبادئ والقيم.
- القيام
على شؤون المسلمين في الغرب وإدارة المساجد والمؤسسات الإسلامية التعليمية
والتربوية والدعوية والاجتماعية نوع عظيم من الرباط في سبيل الله.
- المشاركة
في الوظائف التي تحمي أمن المواطنين هنا في أوطانا الأوروبية هو رباط في سبيل الله
إذا اقترن بالنية الصالحة. قال صلى الله عليه وسلم: عينان لا تمسهما النار: عين
بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.
من يسهر على راحة المرضى وعلاجهم
في المستشفيات من الأطباء والممرضين يدخلون في باب الرباط في سبيل الله ولهم عظيم
الأجر بالنية الصالحة.
ولا تزال صور الرباط كثيرة متنوعة،
فما زال المسلم في عبادة ورباط ما دام يحتسب عمله لله ويقف على ثغر من ثغور العلم
والعمل الصالح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة
تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.