بسم الله الرحمن الرحيم
الصدع بالحق… واجب العلماء الأول
بقـلم: د. أحمد الإدريسي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
1- وظيفة العلماء اليوم:
من العلماء من يُبرر خذلانه
لفلسطين وأهلنا في غزة بمبررات واهية، ويُشغل نفسه بالخوض في فروع الدين واختلافات
الفقهاء في بعض الأحكام؛
إن وظيفة العلماء لا تنحصر في
"تيسير أمور الدين للمؤمنين، وتفقيههم بشريعتهم حتى يؤدوا الفرض والنفل
والعبادات على النحو المطلوب، ليست هذه وظيفتهم فقط، ولكن لابد أن يضيفوا إليها
وظيفة الصدع بالحق، من أجل الدفاع عن المقدسات وحفظ النفس لعموم الأمة؛ في بلادهم
وكل بلاد المسلمين، (التصدي لتجويع المسلم أينما كان)، ونُصح الحكام، وأن يكونوا
عونا للحاكم على الحق لا على الباطل، ومدافعة العدو، وألا يقروه على السكوت
والتواطؤ، وبالأحرى ألا يقروه على تقديم المساعدة للعدو بكل أشكالها.
العلماء ورثة الأنبياء، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه
وسلم بالصدع بالحق، وكلفهم بتبليغ دين الله، وبناء أمّة قوية، لكن آلتْ بهم رحى الحكام
الظلمة إلى بناء أمةٍ منكسرةٍ مشتتةً ذليلةٍ منخورةٍ. فوجب عليهم إذن أن ينهضوا للواجبُ
العيني الأول، خصوصا في أيامنا هذه، هو نصرةُ المظلومين في غزّةَ والمساهمة في ردّ الظلم عنهم، فأيّ ظلم أبشع من تجويعِ أهلنا في غزة.
2- الصدع بالحق أول واجب العلماء:
لقد بين الحقُّ سبحانه مهمة العلماء، فقال عز من قائل:
"الذين يبلغون رسالاتِ الله ويخشونه، ولا يخشوْن أحداً إلا اللهَ"، حدَّدَها
النبي صلى الله عليه وسلم في البيان والتبليغ.
فالعلماءُ ليسوا مجرّدَ معلمين لأحكام العبادات، وإنما
هم سبيل هداية حين تحيد الأمة عن طريقِ اللهِ، أمانتُهم الأولى هي التبليغ
والبيانُ، وخاصةً بيانً ما يجعل من المسلمين أمةً واحدةً، لكن علماءنا اليوم
اختاروا الخوضَ في النوافل بينما أهلنا في غزة يموتون جوعا.
إن تاريخ أمتنا يزخر ويفتخر بعلماء تحدّوْا جبروتَ
الحكّامَ ووقفوا في وجوههم لما طعوا وتعدوا الحدود، نذكر منهم:
-
سعيد بن جبير الذي واجه
الحجّاج بشجاعة ويقين حتى قتلَه.
-
الإمام مالك الذي واجه هارون
الرشيد.
-
العز بن عبد السلام الذي
باع الأمراء في سوق النخاسة لأنهم استولوا على الحكم بلا شرعية.
- تصدى العلماء للتتار من خلال حشدهم المسلمين للجهاد،
وتوجيههم للصبر عند ملاقاة العدو، وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم، وكان لهم دور
هام في توحيد الصفوف وتجاوز الخلافات الداخلية لمواجهة التتار.
-
موقف الداعية زينب
الغزالي، حيث هددوها بفصلها عن عملها، وسجنها، ومعاقبتها، لكنها ردت على المحقق
بكلمة مُدوية: "لو كان الأمر إليك لركعت بين يديك، ولكن الأمر مرده إلى الله
وليس إليك".
-
موقف الشهيد سيد قطب،
عندما طلب منه المحقق آنذاك، أن يكتب كلمة اعتذار، واستعطاف لرئيس الدولة، فأجاب
بقوة المؤمن الثابت على الحق: "إن السبابة التي ترتفع بشهادة التوحيد، في
التشهد في الصلاة، لتأنف أن تكتب كلمة اعتذار لطاغية"، وواجه عقوبة الإعدام،
بقلب ثابت وصدر منشرح.
3- أصناف العلماء اليوم:
كشف
طوفان الأقصى وما يحدث في غزة أن العلماء اليوم أصناف:
-
منهم الساكت والغافل
والمُغفل،
-
منهم من تجده مشغولا
بالمواضيع الفرعيّةِ ومبرِّرٍ لقراراتِ حاكمه، إلا ثلة قليلة من الشرفاء الفضلاء.
-
ومنهم من آثر سلامته تحت مبررات
واهيةٍ مثل درءِ المفاسد وفقه الموازنات، ألا يعلمون أنه؛ "لا مفسدةَ أشد وأكثر مقتا وغضبا عند الله من
السكوتِ على إبادةِ شعب مسلم.
خــاتمـة:
ختاما
أنــادي: يا علماء الأمة؛
.
لا تأخذكم لأجل قول كلمة
الحق لومة لائم،
.
أليس حريٌّ بكم أن تقتدوا
بأسلافكم من علماء السلف الذين ثبتوا على الحق، وذبُّوا عن الشريعة، وعن أرواح
المسلمين ومُهجهم وكرامتهم،
.
لا سبيل لكــم إلا الصدق
والصدع بالحق.
.
وجهوا الأمة، وقودوها إلى
الفعل والضغط والتصدي لتواطئ الحكام.
. انزلوا إلى الساحات، وكونوا في الصفوف الأمامية،
.
هل العلماء اليوم أقل شأنا
وشجاعةً من المشركين الذين نقضوا الصحيفة الظالمة؛ صحيفة تجويعِ عشيرة النبي صلى
الله عليه وسلم، وأدخلوا لهم الماء والطعام، وذلك حين تحركت الرحم في قلوبهم.
والله
غالب على أمره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.